التّفسير
الآية الأُولى من الآيات محل البحثتتحدث عن التوحيد والربوبيّة أيضاً ،وانسجاماً مع سياق الآيات السابقة التي كانت تتحدث عن غرور بعض الناس الماديين عند إقبال النعمة عليهم ،ويأسهم وقنوطهم عند مواجهتهم الشدائد والبلاء ،فإنّها تقول: ( أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) .
فلا ينبغي أن يكون إقبال النعم مدعاةً للغرور ونسيان الله والطغيان ،ولا إدبارها سبباً لليأس والقنوط ،لأنّ سعة الرزق وضيقه بيد الله ،فتارة يرى المصلحة للعبد في الحالة الأُولى «سعة الرزق » ،وتارةً يراها في الثّانية ،أي «الضيق » .
وصحيح أنّ العالَم هو عالم الأسباب ،فمن جَدّ وجد ،ومن سعى قاوم الصعاب ينلْ فائدة أكثر ويربح عادةً ،وأمّا أُولئك الكسإلى فلا ينالون إلاّ قليلاً ...لكن هذه القاعدة في الوقت ذاته ليست دائمية ولا كلية ،إذ يتفق أن نرى أناساً جديرين وجادّين يركضون من هنا وهناك ،إلاّ أنّهم لا يصلون إلى نتيجة يبلغون هدفهم ،وعلى العكس منهم قد نشاهد أناساً لا يسعون ولا يجدّون وتتفتح عليهم أبواب الرزق من كل حدب وصوب .
وهذه الاستثناءات كأنّها لبيان أنّ الله بالرغم من جميع ما جَعَل للأسباب من تأثير ،لا ينبغي أن يُنسى في عالم الأسباب ،ولا ينبغي للإنسان أن يغفل أن وراء هذا العالم يداً قوية أُخرى تديره كيف شاءت !
فأحياناًووفق مشيئتهتوصد جميع الأبواب بوجه الإِنسان مهما سعى وجدّ في الأمر ،وقد يرحم الانسان وييسّر له الاُمور إلى درجة انه ما أن يخطو خطوة ...وإذا الأبواب متفتحة أمامه !
فما نرى في حياتنا من هذه المفارقات ،بالإِضافة إلى أنّه يحدّ من الغرور المتولد من وفور النعمة ،واليأس الناشئ من الفقر ،فهو في الوقت ذاته دليل على أن وراء إرادتنا ومشيئتنا يداً قوية أُخرى «تسيّر أعمالنا » .
لذلك يقول القرآن في نهاية الآية: ( إنّ في ذلك لآية لقوم يؤمنون ) .
وينقل بعض المفسّرين كلاماً بهذا المضمون وهو: سئل أحد العلماء: ما الدليل على أنّ للعالم صانعاً واحداً ؟
فقال هناك ثلاثة أدلة: «ذل اللبيب ،وفقر الأديب ،وسقم الطبيب »{[3219]} .
أجل إن وجود هذه المستثنيات والمفارقات دليل على أن الامور بيد قادر آخر ،كما ورد في كلام الإِمام علي( عليه السلام ) أيضاً «عرفت الله سبحانه بفسخ العزائم ،وحلّ العقود ،ونقض الهمم »{[3220]} .