ولمّا كان كلّ هذا الإصرار والتأكيد على قبول الإيمان قد يوهم عجز الله سبحانه عن أن يلقي نور الإيمان في قلوب هؤلاء ،فإنّ الآية التالية تضيف: ( ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها ) .
فمن المسلّم أنّ الله تعالى يمتلك مثل هذه القدرة ،إلاّ أنّ الإيمان الذي يتحقّق ويتمّ بالإجبار لا قيمة له ،ولذا فالمشيئة الإلهيّة أرادت أن ينال الإنسان شرف كونه مختاراً ،وأن يسير في طريق التكامل بحريته واختياره ،ولذلك تضيف في النهاية لقد قرّرت أن أخلق الإنسان مختاراً ( ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والناس أجمعين ) .
أجل ..إنّ المجرمين سلكوا هذا الطريق بسوء اختيارهم ،ولذلك فهم مستحقّون للعقاب ،ونحن قد قطعنا على أنفسنا أن نملأ جهنّم منهم .
وبملاحظة ما قلناه ،وبملاحظة مئات الآيات القرآنية التي تعتبر الإنسان موجوداً مختاراً ذا إرادة ،ومكلّفاً بتكاليف ،ومسؤولا عن أعماله ،وقابلا للهداية بواسطة الأنبياء وتهذيب النفس وتربيتها ،فإنّ كلّ توهّم يبتني على أنّ الآية أعلاه دليل على الجبركما ظنّ ذلك الفخر الرازي وأمثالهواضح البطلان .
ولعلّ الجملة الشديدة القاطعة أعلاه إشارة إلى أن لا تتصوّروا أنّ رحمة الله الواسعة تمنع من عقاب المجرمين الفسقة والظالمين ،وأن لا تغترّوا بآيات الرحمة وتعدّوا أنفسكم بمأمن من العذاب الإلهي ،فإنّ لرحمته موضعاً ،ولغضبه موضعاً .
/خ14