فيجيبهم القرآن مباشرةً ،ويأمر النّبي ( صلى الله عليه وآله ) أن ( قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ) أي: إذا كان مرادكم أن تروا صدق الوعيد الإلهي الذي سمعتموه من النّبي لتؤمنوا ،فإنّ الوقت قد فاتكم ،فإذا حلّ ذلك اليوم لا ينفعكم إيمانكم فيه شيئاً .
وممّا قلنا يتّضح أنّ المراد من «يوم الفتح » يوم نزول «عذاب الاستئصال » ،أي العذاب الذي يقطع دابر الكافرين ،ولا يدع لهم فرصة الإيمان .وبتعبير آخر فإنّ عذاب الاستئصال نوع من العذاب الدنيوي ،لا من عذاب الآخرة ،ولا من العقوبات الدنيوية المعتادة ،بل هو العذاب الذي يُنهي حياة المجرمين بعد إتمام الحجّة .
والشاهد على هذا القول اُمور:
أ: إذا كان المراد العقوبات الدنيوية المعتادة ،أو الانتصارات الشبيهة بانتصار المسلمين في معركة بدر ويوم فتح مكّةكما قال ذلك بعض المفسّرينفإنّ جملة: ( لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ) لا تصحّ حينئذ ،لأنّ الإيمان كان مفيداً حينذاك ،وأبواب التوبة كانت مفتّحة يوم الانتصار في بدر ،وفي يوم فتح مكّة .
ب: إذا كان المراد من يوم الفتح يوم القيامةكما ارتضى ذلك بعضالمفسّرينفإنّ ذلك لا يناسب جملة: ( ولا هم ينظرون ) لأنّ إعطاء الفرصة وعدمه يرتبط بالحياة الدنيا ،إضافةً إلى أنّ «يوم الفتح » لم يستعمل بمعنى يوم القيامة في أيّ موضع من القرآن الكريم .
ج: إنّ التعبير بالفتح في مورد عذاب الاستئصال يلاحظ مراراً في القرآن ،مثل الآية ( 118 ) من سورة الشعراء ،حيث يقول نوح: ( فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجّني ومن معي من المؤمنين ) وهو إشارة إلى عقوبة الطوفان .
وورد نظير هذا المعنى في الآية ( 77 ) من سورة المؤمنون أيضاً .
إلاّ أنّ المراد إذا كان عذاب الاستئصال في الدنيا فإنّه يتّفق مع ما قلناه أعلاه ،وينسجم مع كلّ القرائن ،وهو في الواقع تهديد للكافرين والظالمين بأن لا تطلبوا تحقّق الوعد بالفتح للمؤمنين ووقوع عذاب الاستئصال على الكافرين ،فإنّ طلبكم إذا تحقّق فسوف لا تجدون الفرصة للإيمان ،وإذا وجدتم الفرصة وآمنتم فإنّ إيمانكم سوف لا يقبل .
وهذا المعنى خاصّة يتلاءم كثيراً مع الآيات السابقة التي تحدّثت عن هلاك الأقوام المتمردّين الطاغين الذين كانوا يعيشون في القرون الماضية ،وابتلوا بالعذاب الإلهي والفناء ،لأنّ كفّار مكّة إذا سمعوا الكلام الذي ورد في الآيتين السابقتين فإنّهم سيطلبون تحقّق مثل هذا الموضوع في حقّهم ،إلاّ أنّ القرآن الكريم يحذّرهم بأن لا يطلبوا مثل هذا الطلب ،فإنّ العذاب إذا نزل لا يبقى لهم شيء .