التّفسير
تحيّة الله والملائكة فرج للمؤمنين:
لمّا كان الكلام في الآيات السابقة عن مسؤوليات نبيّ الإسلام ( صلى الله عليه وآله ) وواجباته الثقيلة الملقاة على عاتقه ،فإنّ الآيات مورد البحث تبيّن جانباً من وظائف المؤمنين من أجل تهيئة الأرضية اللازمة لهذا التبليغ ،وتوسعة أطرافه في جميع الأبعاد ،فوجّهت الخطاب إليهم جميعاً وقالت: ( يا أيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً ) ونزّهوه صباحاً ومساءاً ( وسبّحوه بكرةً وأصيلا ) .
أجل ..لمّا كانت عوامل الغفلة في الحياة المادية كثيرة جدّاً ،وسهام وسوسة الشياطين ترمى من كلّ جانب صوب الإنسان ،فلا طريق لمحاربتها إلاّ بذكر الله الكثير .
إنّ «الذكر الكثير »بالمعنى الواقعي للكلمةيعني التوجّه إلى الله سبحانه بكلّ الوجود ،لا بلقلقة اللسان وحسب .
«الذكر الكثير » هو الذي يقذف النور في كلّ أعمال الإنسان ،ويغمرها بالضياء ،ولهذا فإنّ القرآن أمر كلّ المؤمنين في هذه الآية أن يذكروا الله على كلّ حال:
فاذكروه أثناء العبادة ،فاحضروا قلوبكم وأخلصوا فيها .
واذكروه عند إقدامكم على المعصية وتجنّبوها وإذا ما بدرت منكم عثرة وهفوة فبادروا إلى التوبة ،وارجعوا إلى طريق الحقّ .
واذكروه عند النعم واشكروه عليها .
واذكروه عند البلايا والمصائب واصبروا عليها وتحمّلوها .
والخلاصة: لا تنسوا ذكره في كلّ مشهد من مشاهد الحياة والابتعاد عن سخطه ،والتقرّب لما يجلب رضاه .
ونطالع في حديث مروي في «سنن الترمذي » و «مسند أحمد » عن أبي سعيد الخدري عن النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ): أنّه سئل: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟فقال: «الذاكرون الله كثيراً » .
قال أبو سعيد: فقلت: يا رسول الله ،ومن الغازي في سبيل الله ؟!قال: «لو ضرب بسيفه في الكفّار والمشركين حتّى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون أفضل درجة منه »{[3408]} ،وذلك لأنّ الجهاد المخلص لا يمكن أن يتمّ بدون ذكر الله الكثير .
ومن هنا يعلم أنّ للذكر الكثير معنىً واسعاً ،وإذا ما فسّر في بعض الرّوايات بتسبيح فاطمة ( عليها السلام )وهو 34 مرّة ( الله أكبر ) و33 مرّة ( الحمد لله ) و33 مرّة ( سبحان الله )وفي كلمات بعض المفسّرين بذكر الصفات العليا والأسماء الحسنى ،وتنزيه الله سبحانه عمّا لا يليق به ،فإنّ كلّ ذلك من باب ذكر المصداق الواضح ،لا تحديد المعنى بخصوص هذه المصاديق .
وكما يظهر بوضوح من سياق الآيات ،فإنّ المراد من «تسبيح الله » في كلّ غداة وعشي هو استمرار التسبيح ،وذكر هذين الوقتين بالخصوص باعتبارهما بداية اليوم ونهايته ،وما فسّرهما به البعض من أنّ المراد صلاتي الصبح والعصر ،أو أمثال ذلك ،فهو من قبيل ذكر المصداق أيضاً .
لهذا فإنّ ذكر الله الكثير ،وتسبيحه بكرةً وأصيلا لا يحصل إلاّ باستمرار التوجّه إلى الله ،وتنزيهه عن كلّ عيب ونقص ،وتقديسه المتّصل ،فذكر الله غذاء لروح الإنسان كما أنّ الطعام والشراب غذاء للبدن .
وجاء في الآية ( 28 ) من سورة الرعد ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ونتيجة هذا الاطمئنان القلبي هو ما ورد في الآيات 2730 من سورة الفجر ،حيث تقول: ( يا أيّتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّة فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي ) .