ثمّ تضيف الآية: ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ) ،لأنّها قطع من الحجر والخشب لا أكثر ،جمادات لا شعور لها ،( ولو سمعوا ما استجابوا لكم ) .
إذ اتّضح أنّها لا تملك نفعاً ولا ضرّاً حتّى بمقدار ( قطمير ) وعلى هذا فكيف تنتظرون منها أن تعمل لكم شيئاً أو تحلّ لكم عقدة .
وأدهى من ذلك ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) .ويقولون: اللهمّ إنّهم لم يعبدوننا ،بل إنّهم عبدوا أهواءهم في الحقيقة .
هذه الشهادة إمّا بلسان الحال الذي يدركه كلّ شخص بآذان وجدانه ،أو أنّ الله في ذلك اليوم يعطي فيه جوارح الإنسان وأعضاءه إمكانية التكلّم فتنطق هذه الأصنام أيضاً ،ويشهدن بأنّ هؤلاء المشركين المنحرفين إنّما عبدوا في الحقيقة أوهامهم وشهواتهم .
ما ورد في هذه الآية شبيه بما ورد في الآية ( 28 ) من سورة يونس حيث يقول تعالى: ( ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون ) .
احتمل جمع من المفسّرين أنّ أمثال هذه التعبيرات وردت بخصوص معبودات من أمثال الملائكة أو حضرة المسيح ( عليه السلام ) ،لأنّ الحديث والتكلّم من خصوصية هؤلاء فقط ،وجملة ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ) إشارة إلى أنّهم مشغولون بأنفسهم إلى درجة أنّكم لو خاطبتموهم لا يسمعون دعائكم{[3590]} .
ولكنمع الالتفات إلى سعة مفهوم ( الذين تدعون من دونه )يظهر أنّ المقصود هو الأصنام ،وأنّ جملة ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ) ترتبط بالدنيا خاصّة .ثمّ يقول تعالى في ختام الآية من أجل تأكيد أكثر: أن لا أحد يخبرك عن جميع الحقائق كما يخبرك الله تعالى: ( ولا ينبئك مثل خبير ) .
فإذا قالت الآية أنّ الأصنام تتنكّر لكم في يوم القيامة ،وتتضايق منكم ،فلا تتعجّبوا من هذا القول ،فإنّ من يخبركم هو الذي يعلم بكلّ ما في هذا الكون بالتفصيل ،فهو المحيط علماً بالمستقبل والماضي والحاضر .
/خ14