وهذا ما أشارت إليه الآية التالية ،حيث قالت: ( إذ أبق إلى الفلك المشحون ) .
كلمة «أبق » مشتقّة من ( إباق ) والتي تعني فرار العبد من سيّده ،إنّها لعبارة عجيبة ،إذ تبيّن أن ترك العمل بالأولى من قبل الأنبياء العظام ذوي المقام الرفيع عند الله ،مهما كان بسيطاً فإنّه يؤدّي إلى أن يتّخذ الباري عز وجل موقفاً معاتباً ومؤنّباً للأنبياء ،كإطلاق كلمة ( الآبق ) على نبيّه .
ومن دون أي شكّ فإنّ نبي الله يونس ( عليه السلام ) ،معصوم عن الخطأ ،ولكن كان الأجدر به أن يتحمّل آلاماً أخرى من قومه ،وأن يبقى معه حتّى اللحظات الأخيرة قبل نزول العذاب ،عسى أن يستيقظوا من غفلتهم ويتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى .
حقّاً إنّه دعا قومه إلى توحيد الله أربعين عاماًوفق ما ورد في بعض الرواياتولكن كان من الأجدر به أن يضيف عدّة أيّام أو عدّة ساعات إلى ذلك الوقت ببقائه معهم ،لذلك فعندما ترك قومه وهجرهم شبهه القرآن بالعبد الآبق .
ووفق ما ورد في الرّوايات ،فقد صعد يونس ( عليه السلام ) إلى السفينة ،ثمّ إنّ حوتاً ضخماً وقف أمام السفينة ،فاتحاً فمه وكأنّه يطلب الطعام ،فقال ركاب السفينة أنّ هناك شخصاً مذنباً معنا يجب أن يكون طعام هذا الحوت ،ولم يجدوا سبيلا سوى الاقتراع لتحديد الشخص الذي يرمى للحوت ،وعندما اقترعوا خرج اسم يونس ،وطبقاً للرواية فإنّهم اقترعوا ثلاث مرّات وفي كلّ مرّة كان يخرج اسم يونس ( عليه السلام ) ،فأمسكوا بيونس وقذفوه في فم الحوت العظيم ،وقد أشار القرآن المجيد في آية قصيرة إلى هذه الحادثة ،قال تعالى: ( فساهم فكان من المدحضين ) .