التّفسير
الأنبياء الستّة:
متابعة للآيات السابقة التي تطرّقت باختصار إلى حياة ( داود ) و ( سليمان ) وبصورة أكثر اختصارا لحياة ( أيّوب ) إذ بيّنت أهم النقاط البارزة في حياة هذا النّبي الكبير ،وتستعرض آيات بحثنا هذا أسماء ستّة من أنبياء الله ،وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التي يمكن أن تكون اُنموذجاً حيّاً لكلّ بني الإنسان .
والذي يلفت الانتباه ،هو أنّ هذه الآيات استعرضت ستّ صفات مختلفة لأولئك الأنبياء الستّة ،ولكلّ صفة معناها ومفهومها الخاصّ بها .
ففي البداية تخاطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) .
مقام العبودية هو أوّل ميزة لأولئك الأنبياء ،وحقّاً فإنّ كلّ شيء جمع في هذه الصفة فالعبودية لله تعني التبعية المطلقة له ،وتعني الاستسلام الكامل لإرادته ،والاستعداد لتنفيذ أوامره في كلّ الأحوال .
العبودية لله تعني عدم الاحتياج لغيره ،وعدم التوجّه لسواه ،والتفكير بلطفه ورحمته فقط ،هذا هو أوج تكامل الإنسان وأفضل شرف له .
ثمّ تضيف الآية: ( اُولي الأيدي والأبصار ) .
إنّه لتعبير مثير للعجب ؟أصحاب الأيدي والأبصار !«أيدي » جمع ( يد ) ،و ( أبصار ) جمع ( بصر ) .
الإنسان يحتاج إلى قوّتين لتحقيق أهدافه ،الاُولى قوّة الإدراك والتشخيص ،والثانية حسن الأداء .وبعبارة أخرى: يجب عليه الاستفادة من ( العلم ) و ( القدرة ) للوصول إلى أهدافه .
وقد وصف البارئ عز وجل أنبياءه بأنّهم ذوو إدراك وتشخيص وبصيرة قويّة ،وذوو قوّة وقدرة كافية لإنجاز أعمالهم .
إنّ هؤلاء الأنبياء على مستوى عال من المعرفة ،وأنّ مستوى علمهم بشريعة الله وأسرار الخلق وخفايا الحياة لا يمكن تحديده .
أمّا من حيث الإرادة والتصميم وحسن الأداء ،فإنّهم غير كسولين أو عاجزين أو ضعفاء ،بل هم أشخاص ذوو إرادة قويّة وتصميم راسخ ،إنّهم قدوة لكلّ السائرين في طريق الحقّ ،فبعد مقام العبودية الكامل لله تعالى ،لتسلّحوا بهذين السلاحين القاطعين .
وممّا يستنتج من هذا الحديث أنّه ليس المراد من اليد والعين أعضاء الحسّ التي يمتلكها غالبية الناس ،لأنّ هناك الكثيرين ممّن يمتلكون هذين العضوين لكنّهم لا يمتلكون الإدراك والشعور الكافي ،ولا القدرة على التصميم ،ولا حسن الأداء في العمل ،وإنّما هي كناية عن صفتين هما ( العلم والقدرة ) .