تتطرّق الآيات إلى أنواع أخرى من العذاب الإلهي ،إذ تقول: ( هذا فليذوقوه حميم وغسّاق ) أي: يجب عليهم أن يشربوا الحميم والغسّاق .
«الحميم » هو الماء الحارّ الشديد الحرارة ،والذي هو أحد أنواع أشربة أهل جهنّم ،ويقابل ( الشراب الطهور ) الذي ذكرته الآيات السابقة المخصّص لأهل الجنّة .
وكلمة ( غسّاق ) من ( غسق ) على وزن ( رمق ) وتعني شدّة ظلمات الليل .أمّا ابن عبّاس فقد فسّرها بأنّها شراب بارد جدّاً ( بحيث إنّ برودته تحرق وتجرح أحشاء الإنسان ) ولكن ليس هناك في مفهوم هذه الكلمة ما يدلّ على هذا المعنى ،غير مقارنتها بالحميم وهو الماء الحارّ الشديد الحرارة ،وهذه المقارنة قد تكون منشأ هذا الاستنباط .
وقال الراغب في مفرداته: إنّ ( غسّاق ) تعني القيح الذي يسيل من جلود أهل جهنّم ومن الجراحات الموجودة في أجسامهم .
ولابدّ أن يكون لونه الغامق هو السبب في إطلاق هذه الكلمة عليه ،لأنّ الذي يحترق في نار جهنّم لا يبقى منه سوى هيكل محروق وقيح أسود اللون .
على أيّة حال ،فإنّ ما يستشفّ من بعض الكلمات هو أنّ ( غسّاق ) تعني الرائحة الكريهة النتنة التي تزعج الآخرين .
وفسّره البعض الآخر بأنّه أحد أنواع العذاب الذي لم يطلع عليه أحد سوى الله ،وذلك لأنّهم ارتكبوا ذنوباً ومظالم شديدة لم يطلع عليها أحد سوى الله ،فلذلك جعل عقوبتهم سريّة وغير معروفة ،مثلما وعد البارئ عز وجل المتّقين بنعم لم يكشف عنها وأخفاها عنهم ،لإخفائهم أعمالا صالحة كانوا يقومون بها في الحياة الدنيا ،وذلك ما ورد في الآية ( 17 ) من سورة السجدة: ( فلا تعلم نفس ما اُخفي لهم من قرّة أعين ) .