وفي نهاية هذا البحث يشير البارئ عز وجل إلى أربعة اُمور في عدّة عبارات قصيرة وواضحة ؟
ففي المرحلة الاُولى يقول: ( قل ما أسألكم عليه من أجر ): وبهذا وضع النّبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حدّاً لذرائع المتذرّعين ،وبيّن أنّه لا يبتغي من وراء ذلك سوى نجاة وسعادة البشر ،وأنّه لا يريد منهم أيّ جزاء مادّي أو معنوي ،ولا استحسان ولا شكر ،ولا مقام ولا حكومة ،وإنّما أجري على الله ،كما ذكرت ذلك آيات أخرى في القرآن المجيد كالآية ( 47 ) من سورة سبأ ،والتي تقول: ( إنّ أجري إلاّ على الله ) .
وهذه هي إحدى دلائل صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،لأنّ الداعية الكذّاب إنّما يدعو للوصول إلى أطماع شخصيّة ،وهذه الأطماع تظهر بشكل أو بآخر من خلال حديثه ،والعكس ما نراه في شخصيّة رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي المرحلة الثانية يقول: أنا لست من المتكلّفين ،فكلامي مستند على الأدلّة والمنطق ،ولا يوجد فيه أي تكلّف ،وعباراتي واضحة وكلامي خال من الغموض واللفّ والدوران ( وما أنا من المتكلّفين ) .
وفي الواقع فإنّ المرحلة الاُولى تتناول أوصاف الداعية ،والمرحلة الثانية تتطرّق لسبل الدعوة ومحتواها .
ملاحظة
من هو المتكلّف ؟
قرأنا في الآيات المذكورة أعلاه أنّ إحدى مفاخر رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه غير متكلّف ،وفي الروايات الإسلامية المزيد من الأبحاث التي توضّح علامات المتصنّع والمتظاهر بما ليس فيه ،ومنها:
ورد حديث في ( جوامع الجامع ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،قال فيه: «للمتكلّف ثلاث علامات: ينازع من فوقه ،ويتعاطى ما لا ينال ،ويقول ما لا يعلم » !وروي مثله في الخصال عن الصادق عليه السلام ) عن لقمان في وصيته لابنه .كما ورد حديث آخر وهو من وصايا الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام«للمتكلّف ثلاث علامات: يتملّق إذا حضر ،ويغتاب إذا غاب ،ويشمت بالمصيبة » .
إضافة إلى ذلك روي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام ،جاء فيه: «المتكلّف مخطىء وإن أصاب ،والمتكلّف لا يستجلب في عاقبة أمره إلاّ الهوان ،وفي الوقت إلاّ التعب والعناء والشقاء ،والمتكلّف ظاهره رياء وباطنه نفاق ،وهما جناحان بهما يطير المتكلّف ،وليس في الجملة من أخلاق الصالحين ،ولا من شعار المتّقين المتكلّف في أي باب ،كما قال الله تعالى لنبيّه قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلّفين » .
من مجموع هذه الرّوايات يتّضحبصورة جيّدةأنّ المتكلّفين خارجون عن جادّة الحقّ والعدالة والصدق والأمانة ،وأنّهم لا يرون الحقائق أمام أعينهم ،ويتشبّثون بالأوهام والخيال ،ينبّئوون باُمور ليسوا على إطّلاع بها ،ويتدخّلون باُمور لا يعرفونها ،لهم ظاهر وباطن ،وحضورهم وغيابهم متضادّ ،يتعبون أنفسهم ويجهدونها ،ولكنّهم لا يحصدون سوى الخيبة والخسران ،أمّا المتّقون والصالحون فإنّهم مطهّرون من هذه الصفة ومنزّهون عنها .
إلهي !وفّقنا لتطهير أنفسنا من كلّ آثار التكلّف والنفاق والتمرّد والطغيان .
إلهي !اجعلنا في صفوف المخلصين الذين يستظلّون بظلّ حمايتك وحفظك ،والذين يئس الشيطان منهم .
إلهي !ارزقنا اليقظة والذكاء ،كي نسارع في إحياء محتوى هذا القرآن الكبير ،وتعبئة كافّة القوى الإسلامية في أنحاء العالم ،ونسير في طريقك بقلب ولسان واحد ،لكسر شوكة أعداء الحقّ والحقيقة .