أمّا المجموعة الثّانية فقد وصفها القرآن الكريم بوصفين ،إذ قال: ( و الذي جاء بالصدق وصدق به أُولئك هم المتقون ) .
فبعض الرّوايات الواردة عن أئمّة الهدى( عليهم السلام ) فسّرت: ( والذي جاء بالصدق )بأنّها تعود على النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و ( صدق به ) تعود على علي( عليه السلام ){[3816]} ،وبالطبع فإن المقصود من ذلك هو بيان مصداقية الآية ،لأنّ عبارة: ( أُولئك هم المتقون )دليل على شمولية الآية .
ومن هنا يتّضح أنّ تفسير الآية المذكورة أعلاه بأن المراد شخصرسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي هو مهبط الوحي و المصدق به في نفس الوقت ،فهو أيضاً من قبيل بيان مصداق الآية وليس بيان المفهوم العام لها .
لذلك فإنّ مجموعة من المفسّرين فسّروا عبارة قوله تعالى: ( والذي جاء بالصدق )بأنّه يعني كلّ الأنبياء و ( صدق به )يعني أتباعهم الحقيقيين ،وهم المتقون .
وهناك تفسير آخر للآية ،لكنّه أوسع وأكثر شمولية من التفاسير الأخرى ،رغم أنّه لم يحظ كثيراً باهتمام المفسّرين ،لكنّه أكثر انسجاماً مع ظاهر الآيات ،والتّفسير هو أن ( الذي جاء بالصدق ) ليس منحصراً في الرّسل فقط ،وإنّما يشمل كلّ الذين يبلغون نهج الأنبياء ويروجون كلام الله ،وفي هذه الحالة فلا يوجد أي مانع من القول بأن العبارتين تنطبقان على مجموعة واحدة ( كما يوضح ذلك ظاهر الآية ،لأنّ ضمير ( والذي ذكر مرّة واحدة فقط ) .
وبهذا الشكل فإنّ الآية تتحدّث عن أناس هم من حملة الرسالة و من العاملين بها ،وتتحدّث عن أولئك الذين ينشرون في العالم ما ينزل به الوحي من كلام البارئ عز وجل وهم يؤمنون به ويعملون به ،وهكذا فإنّ الآية تضم الأنبياء والأئمّة المعصومين والدعاة لنهج الأنبياء .
والملفت للنظر أنّ الآية عن الوحي «بالصدق » وهو إشارة إلى أن الكلام الوحيد الذي لا يحتمل وجود الكذب والخطأ فيه هو كلام الله الذي نزل به الوحي ،فإن سار الإنسان في ظلّ تعليمات نهج الأنبياء وصدقها فإنّ التقوى سوف تتفتح في داخل روحه .
مسألة:
الكثير من المفسّرين المسلمين من الشيعة والسنة نقلوا الرّواية التالية بشأن تفسير هذه الآية ،وهي أنّ النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو المقصود في ( والذي جاء بالصدق ) وأن الإمام علي ( عليه السلام )هو المقصود في ( صدّق به ) .
المفسّر الإسلامي الكبير العلاّمة «الطبرسي » نقل ذلك في تفسيره ( مجمع البيان ) عن أهل البيت الأطهار ،ونقلها كذلك أبو الفتوح الرازي في تفسير ( روح الجنان ) عن نفس المصدر السابق .كما نقلت مجموعة من المفسّرين السنة ذلك عن أبي هريرة نقلا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،وعن طرق أخرى ،ومن جملة من نقله العلاّمة ابن المغازلي في ( المناقب ) و ( العلاّمة الگنجي ) في ( كفاية الطالب ) والقرطبي في تفسيره والعلاّمة السيوطي في ( الدر المنثور ) وكذلك ( الآلوسي ) في ( روح المعاني ){[3817]} .
ومثلما أشرنا من قبل فإنّ نقل مثل هذه التفاسير هو بيان أوضح المصاديق ،ومن دون أيّ شكّ فإنّ الإمام عليّ( عليه السلام ) يقف في مقدمة الصفّ الأوّل لأتباع النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمصدّقين به ،وإنّه هو أول من صدّق برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،ولا يوجد أحد من العلماء من ينكر هذه الحقيقة .
والاعتراض الوحيد الذي صدر عن بعض المفسّرين هو أنّ الإمام علي( عليه السلام )آمن بالرّسول وكان عمره ما بين ( 10 ) إلى ( 12 ) عاماً ،وأنّه لم يكن مكلّفاً في هذا السّن ولم يبلغ بعد سنّ الحلم .
هذا الكلام عجيب جدّاً ،فكيف يمكن أن يكون مثل هذا الاعتراض صحيحاً ،في الوقت الذي قبل فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إسلام علي( عليه السلام ) ،وقال له بأنّه ( وزيره ) و ( وصيه ) وأكّد مراراً وتكراراً في كلماته على أنّ علياً هو ( أول المؤمنين ) أو ( أوّلكم إسلاماً ) وقد أوردنا في نهاية الآية ( 10 ) من سورة التوبة أدلة متعددة من كتب علماء أهل السنة وبصورة مفصلة .