التّفسير
الندم لا ينفع في ذلك اليوم:
الآيات السابقة أكّدت على التوبة وإصلاح الذات وإصلاح الأعمال السابقة ،وآيات بحثنا الحالي تواصل التطرق لذلك الموضوع ،ففي البداية تقول: ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ){[3839]} .
«يا حسرتا »: هي في الأصل ( يا حسرتي ) ،( حسرة أضيفت إليها ياء المتكلم ) ،والتحسر معناه الحزن ممّا فات وقته لانحساره ممّا لا يمكن استدراكه .
ويرى الراغب في مفرداته ( يا حسرتا ) من مادة ( حسر ) على وزن ( حبس ) وتعني التعري والتجرد من الملابس ،وبما أن الندم والحزن على ما مضى بمنزلة زوال حجب الجهل ،فلا إطلاق على هذه الموارد .
نعم ،فعندما يرد الإنسان إلى ساحة المحشر ،ويرى بأُمّ عينيه نتائج إفراطه وإسرافه ومخالفته واتخاذه الأمور الجدية هزواً ولعباً ،يصرخ فجأة ( واحسرتاه ) إذ يمتلئ قلبه في تلك اللحظات بغمّ كبير مصحوب بندم عميق ،وهذه الحالة النفسية التي وردت في الآيات المذكورة .
أما فيما يخصّ معنى ( جنب الله ) هنا ؟فإنّ المفسّرين ذكروا تفاسير ومعاني كثيرة لها .وكلمة ( جنب ) تعني في اللغة «الخاصرة » ،كما تطلق على كلّ شيء يستقر إلى جانب شيء آخر ،مثلما أن اليمين واليسار يعنيان الطرف الأيمن والأيسر للجسم ،ثمّ يقال لكل شيء في يسار أو يمين الجسم ،وهنا ( جنب الله )تعني أن الأُمور ترجع إلى جانب الله ،فأوامره وإطاعته والتقرب إليه ،والكتب السماوية كلها نزلت من جانبه ،وكلها مجموعة في هذا المعنى .
وبهذا الترتيب فإنّ المذنبين يكشفون في ذلك اليوم عن ندامتهم وحسرتهم وأسفهم على تقصيرهم وتفريطهم تجاه الله سبحانه وتعالى ،خاصة فيما يتعلق بسخريتهم واستهزائهم بآيات الله ورسله ،لأنّ السبب الرئيسي لتفريطهم هو العبث والسخرية من هذه الحقائق الكبيرة بدافع الجهل والغرور والتعصب .