التّفسير
عاقبة قوم ثمود:
بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن قوم عاد ،تبحث هاتان الآيتان في قضية قوم ثمود ومصيرهم ،حيث تقول: إنّ الله قد بعث الرسل والأنبياء لهم مع الدلائل البينة ،إلاّ أنّهم: ( وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) .
لذلك: ( فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ) .
وهؤلاء مجموعة تسكن «وادي القرى » ( منطقة بين الحجاز والشام ) وقد وهبهم الله أراضي خصبة خضراء مغمورة ،وبساتين ذات نعم كثيرة ،وكانوا يبذلون الكثير من جهدهم في الزراعة .ولقد وهبهم الله العمر الطويل والأجسام القوية ،وكانوا مهرة في البناء القوي المتماسك ،حيث يقول القرآن عنهم في ذلك: ( وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين ){[4009]} .
لقد جاءهم نبيّهم بمنطق قوي وقلب ملؤه الحبّ ،ومعه المعاجز الإلهية ،إلاّ أنّ هؤلاء القوم المغرورين المستعلين لم يرفضوا دعوتهوحسببل آذوه وأتباعه القليلين ،لذلك شملهم الله بعقابه في الدنيا ،ولن يغني ذلك عن عذاب الآخرة شيئاً .
نقرأ في الآية ( 78 ) من سورة الأعراف أنّهم أصيبوا بزلزلة عظيمة ،فبقيت أجسادهم في المنازل بدون حراك: ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ) .
وفي الآية ( 5 ) من سورة الحاقة قوله تعالى بشأنهم: ( فأمّا ثمود فأهلكوا بالطاغية ) .
أمّا الآية ( 67 ) من سورة هود فتقول عنهم: ( و أخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) .
أمّا الآية التي نحن بصددها فقد استخدمت تعبير «صاعقة » .
قد يتصور البعض أن هناك تعارضاً بين هذه التعابير ،ولكن عند التدقيق يظهر أنّ الكلمات الأربع أعلاه ( رجفة ،طاغية ،صيحة ،صاعقة ) ترجع جميعاً إلى حقيقة واحدة ،لأنّ الصاعقةكم قلنا سابقاًلها صوت مخيف ،بحيث يمكن أن نسميها بالصيحة السماوية ،ولها أيضاً ناراً محرقة ،وهي عندما تسقط على منطقة معينة تحدث هزّة شديدة ،وكذلك هي وسيلة للتخريب .
في الواقع إنّ البلاغة القرآنية تستوجب أن تبيّن الأبعاد المختلفة للعذاب الإلهي بتعابير مختلفة وفي سياق آيات عديدة كيما تخلّف أثرا عميقاً في نفس الإنسان .
وهؤلاء القوم قد واجهتهم عوامل مختلفة للموت في إطار حادثة واحدة ،بحيث أن كلّ عامل لوحده يكفي لإبادتهم كالصيحة المميتة مثلا ،أو الهزة الأرضية القاتلة ،أو النّار المحرقة ،وأخيراً الصاعقة المخيفة .
ولكن قد يتساءل عن مصير الأشخاص الذين آمنوا بصالح( عليه السلام ) بين هذه الأمواج القاتلة من الصواعق ،فهل احترقوا بنيران غيرهم ؟