وتشير الآية التالية إلى نعمة أُخرى من نعم الله سبحانه على بني إسرائيل ،فتقول: ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) إلاّ أنّهم لم يعرفوا قدر هذه النعمة ،فكفروا وعوقبوا .
وعلى هذا فإنّهم كانوا الأمة المختارة في عصرهم ،لأنّ المراد من العالمين البشر في ذلك العصر والزمان لا في كلّ القرون والأعصار ،لأنّ القرآن يخاطب الأمة الإسلامية بصراحة في الآية ( 110 ) من سورة آل عمران ويقول: ( كنتم خير أمّة أخرجت للناس ) .
وكذلك الحال بالنسبة إلى الأراضي التي ورثها بنو إسرائيل ،إذ يقول القرآن الكريم في الآية ( 137 ) من سورة الأعراف ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) في حين أنّ بني إسرائيل لم يرثوا كلّ الأرض ،والمراد شرق منطقتهم وغربها .
ويعتقد بعض المفسّرين أنّه كان لبني إسرائيل بعض الميزات التي كانت منحصرة فيهم على مرّ التأريخ ،ومن جملتها كثرة الأنبياء ،إذ لم يظهر في أي قوم هذا العدد من الأنبياء .
إلاّ أنّ هذا الكلام ،إضافة إلى أنّه لا يثبت مزيتهم المطلقة هذه ،فإنّه يدل على أنّها ليست مزية أساساً ،فربَّما كانت كثرة الأنبياء فيهم دليلاً على غاية تمرد هؤلاء القوم وقمة عصيانهم ،كما بيّنت الحوادث المختلفة بعد ظهور موسى( عليه السلام )أنّهم لم يتركوا شيئاً سيئاً لم يفعلوه ضد هذا النّبي العظيم .
وعلى أية حال ،فإنّ ما ذكرناه أعلاه في تفسير الآية ،هو المقبول من قبل كثير من المفسّرين في شأن أهلية بني إسرائيل النسبية .
غير أنّ هؤلاء القوم المعاندين كانوا يؤذون أنبياءهم دائماًحسب ما يذكره القرآنوكانوا يقفون أمام أحكام الله سبحانه بكلّ تصلب وعناد ،بل إنّهم بمجرّد أنّ نجوا من النيل وأهواله طلبوا من موسى أن يجعل لهم آلهة يعبدونها !وهذا يدلنا على إمكانية أن يكون الهدف من الآية ليس بيان خصيصة لبني إسرائيل ،بل بيان حقيقة أُخرى .وعليه يصبح معنى الآية: مع أننا نعلم أنّ هؤلاء سيسيئون استغلال نعم الله ومواهبه ،فقد منحناهم التفوق لنختبرهم .
كما يستفاد من الآية التاليةأيضاًأنّ الله سبحانه قد منحهم مواهب اُخرى ليبلوهم .
ولذا فإنّ هذا الاختبار الإلهي لا يدل على كونه مزية لهؤلاء ،وليس هذا وحسب ،بل هو ذم ضمني أيضاً ،لأنّهم لم يشكروا هذه النعمة ،ولم يؤدّوا حقها ،ولم ينجحوا في الامتحان .