والآية التالية بيان بليغ لأجر هؤلاء المؤمنين الشاكرين وثوابهم ،وقد أشارت إلى مكافآت مهمّة ثلاث ،فقالت أوّلاً: ( أُولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ) .
أي بشارة أعظم من أن يتقبل الله القادر المنان عمل عبد ضعيف لا قدر له ،وهذا القبول بحدِّ ذاته ،وبغض النظر عن آثاره الأُخرى ،فخر عظيم ،وموهبة معنوية عالية .
إنّ الله سبحانه يتقبل كلّ الأعمال الصالحة ،فلماذا يقول هنا: ( نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ) ؟
وفي معرض الإجابة على هذا السؤال ،قال جمع من المفسّرين: إنّ المراد من أحسن الأعمال: الواجبات والمستحبات التي تكون في مقابل المباحات التي هي أعمال حسنة لكنّها لا تقع موقع القبول ،ولا يتعلق بها أجر وثواب{[4388]} .
والجواب الآخر: إنّ الله سبحانه يجعل أحسن أعمال هؤلاء معياراً للقبول ،وحتى أعمالهم التي تأتي في مرتبة أدنى من الأهمية ،فإنّه يجعلها كأحسن الأعمال بفضله ورحمته .إنّ هذا يشبه تماماً أن يعرض بائع أجناساً مختلفة بأسعار متفاوتة ،إلاّ أنّ المشتري يشتريها جميعاً بثمن أعلاها وأفضلها تكرماً منه وفضلاً ،ومهما قيل في لطف الله وفضله فليس عجباً .
والهبة الثّانية هي تطهيرهم ،فتقول: ( ونتجاوز عن سيئاتهم ) .
والموهبة الثّالثة هي أنّهم ( في أصحاب الجنّة ){[4389]} ،فيطهرون من الهفوات التي كانت منهم ،ويكونون في جوار الصالحين المطهرين المقربين عند الله سبحانه .
ويستفاد بصورة ضمنية من هذا التعبير أنّ المراد من ( أصحاب الجنّة ) هنا العباد المقرّبون الذين لم يصبهم غبار المعاصي ،وهؤلاء المؤمنون التائبون يكونون في مصافهم بعد أن ينالوا غفران الله ورضاه .
وتضيف الآية في نهايتهاكتأكيد على هذه النعم التي مرَّ ذكرها( وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ){[4390]} وكيف لا يكون وعد صدق في حين أنّ خلف الوعد أمّا أن يكون عن ندم أو جهل ،أم عن ضعف وعجز ،والله سبحانه منزه عن هذه الأُمور جميعاً .
/خ16