أمّا الآية الأخيرة من هذه الآيات فإنّها تشير أوّلاً إلى تفاوت درجات كلا الفريقين ،فتقول: ( ولكل درجات ممّا عملوا ){[4395]} فليس كلّ أصحاب الجنّة أو أصحاب النّار في درجة واحدة ،بل إنّ لكلّ منهما درجات ومراتب تختلف باختلاف أعمالهم ،وحسب خلوص نيّتهم وميزان معرفتهم ،وأصل العدالة هو الحاكم هنا تماماً .
«الدرجات » جمع درجة ،وتقال عادةً للسلالم التي يصعد الإنسان بتسلقها إلى الأعلى ،و«الدركات » جمع درك ،وهي تقال للسلّم الذي ينزل منه الإنسان إلى الأسفل ،ولذلك يقال في شأن الجنّة: درجات ،وفي شأن النّار: دركات ،لكن لما كانت الآية مورد البحث قد تحدثت عنهما معاً ،ولأهمية مقام أصحاب الجنّة ،ورد لفظ ( الدرجات ) للاثنين ،وهو من باب التغليب{[4396]} .
ثمّ تضيف الآية: ( وليوفيهم أعمالهم ) وهذا التعبير إشارة أُخرى إلى مسألة تجسم الأعمال ،حيث أنّ أعمال ابن آدم ستكون معه هناك ،فتكون أعماله الصالحة باعثاً على الرحمة به واطمئنانه ،وأعماله الطالحة سبباً للبلاء والعذاب الألم .
وتقول الآية أخيراً كتأكيد على ذلك: ( وهم لا يظلمون ) لأنّهم سيرون أعمالهم وجزاءها ،فكيف يمكن تصور الظلم والجور ؟
هذا إضافة إلى أنّ درجات هؤلاء ودركاتهم قد عيّنت بدقّة ،حتى أنّ لأصغر الأعمال ،حسناً كان أُم قبيحاً ،أثره في مصيرهم ،ومع هذه الحال لا معنى للظلم حينئذ .
/خ19