ثمّ تخاطب الآية مشركي مكّة من أجل التأكيد على هذا المعنى ،ولزيادة الموعظة والنصيحة ،فتقول: ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ) .
أُولئك الأقوام الذين لا تبعد أوطانهم كثيراً عنكم ،وكان مستقرهم في أطراف جزيرة العرب ،فقوم عاد كانوا يعيشون في أرض الأحقاف في جنوب الجزيرة ،وقوم ثمود في أرض يقال لها «حجر » في شمالها ،وقوم سبأ الذين لاقوا ذلك المصير المؤلم في أرض اليمن ،وقوم شعيب في أرض مدين في طريقكم إلى الشام ،وكان قوم لوط يعيشون في هذه المنطقة ،وابتلوا بأنواع العذاب لكثرة معاصيهم وكفرهم .
لقد كان كلّ قوم من أُولئك عبرة ،وكان كلّ منهم شاهداً ناطقاً معبراً ،يسأل: كيف لا يستيقظ هؤلاء ولا يعون مع كلّ وسائل التوعية هذه ؟!
ثمّ تضيف الآية بعد ذلك: ( وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ) فتارة أريناهم المعجزات وخوارق العادات ،وأُخرى أنعمنا عليهم ،وثالثة بلوناهم بالبلاء والمصائب ،ورابعة عن طريق وصف الصالحين المحسنين ،وأخرى بوصف المجرمين ،وأخرى وعظناهم بعذاب الاستئصال الذي أهلكنا به الآخرين .إلاّ أنّ الكبر والغرور والعجب لم يدع لهؤلاء سبيلاً إلى الهداية .
وتوبخ الآية الأخيرة من هذه الآيات هؤلاء العصاة ،وتذمهم بهذا البيان: ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة ){[4417]} .
حقّاً ،إذا كانت هذه آلهة على حق ،فلماذا لا تعين أتباعها وعبادها وتنصرهم في تلك الظروف الحساسة ،ولا تنقذهم من قبضة العذاب المهول المرعب ؟إنّ هذا بنفسه دليل محكم على بطلان عقيدتهم حيث كانوا يظنّون أنّ هذه الآلهة المخترعة هي ملجأهم وحماهم في يوم تعاستهم وشقائهم .