وفي الآية التالية يكشف الستار عن مشهد آخر وصورة اُخرى ممّا يجري على هؤلاء الكفّار وعاقبتهم ،وهو المجادلة بينهم وبين الشيطان الغويّ في يوم القيامة ،فكلّ من الكفّار يلقي التبعات على الشياطين ،إلاّ أنّ قرينه «الشيطان » يردّ عليه ويقول كما يحكي عنه القرآن: ( قال قرينه ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد ) .فلم أجبره على سلوك طريق الغواية والضلالة ،بل هو الذي سلكه باختياره وإرادته واختار هذا الطريق .
وهذا التعبير يشبه ما ورد في سورة إبراهيم الآية ( 22 ) إذ يتبرّأ الشيطان من أتباعه فيقول: (...وما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) !!
وبالطبع فإنّ الشيطان لا يريد أن ينكر أثره في إغواء الإنسان إنكاراً كليّاً ،بل يريد أن يثبت أنّه لم يجبر أحداً على إغوائه ،بل الإنسان بمحض استجابته ورغبته قبل وساوس الشيطان ،فعلى هذا الأساس لا تضادّ بين هذه الآية والآية ( 82 ) من سورة ( ص ): ( لأغوينهم أجمعين ) .