وبالرغم من أنّ هذه الآيات تتحدّث عن دفاع الشيطان عن نفسه فحسب ،ولا يظهر فيها كلام على اعتراض الكفّار وردّهم على الشيطان ،إلاّ أنّه وبقرينة سائر الآيات التي تتحدّث عن مخاصمتهم في يوم القيامة وبقرينة الآية التالية يتّضح جدال الطرفين إجمالا ،لأنّها تقول حاكية عن ربّ العزّة: ( قال لا تخصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد ) وأخبرتكم عن هذا المصير .
إشارة إلى قوله تعالى للشيطان من جهة: ( اذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنّم جزاؤكم جزاءً موفوراً ){[4660]} .
ومن جهة اُخرى فقد أنذر سبحانه من تبعه من الناس ( لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين ){[4661]} .
وهذا التهديد والوعيد واردة في سائر آيات القرآن ،وهي حاكية جميعاً عن أنّ الله أتمّ الحجّة على الشياطين والإنس كلّهم ..وحذّر كلا الفريقين من الإغواء والغواية والإضلال والضلال .
ولمزيد التأكيد تقول الآية التالية حاكية عن لسان ربّ العزّة: ( ما يبدّل القول لدي وما أنا بظلاّم للعبيد ){[4662]} .
والمراد من «القول » هنا هو التهديد أو الوعيد الذي أشار إليه الله سبحانه مراراً في آيات متعدّدة وذكرنا آنفاً أمثلةً منها .
والتعبير ب «ظلاّم » وهو صيغة مبالغة معناه كثير الظلم ،مع أنّ الله لا يصدر منه أقل ظلم ،ولعلّ هذا التعبير هو إيذان بأنّ مقام عدل الله وعلمه في درجة بحيث لو صدر منه أصغر ظلم لكان يعدّ كبيراً جدّاً ولكان مصداقاً للظلاّم ،فعلى هذا فإنّ الله بعيد عن أي أنواع الظلم .
أو أنّ هذا التعبير ناظر إلى الأفراد والمصاديق ،إذ لو نال عبداً ظلم من الله فهناك نظراء لهذا العبد ،وفي المجموع يكون الظلم كثيراً .
وعلى كلّ حال ،فإنّ هذا التعبير دليل على أنّ العباد مخيّرون ولديهم الحريّة «في الإرادة » فلا الشيطان مجبور على شيطنته وعمله ،ولا الكفّار مجبورون على الكفر وأتباع طريق الشيطان ،ولا العاقبة والمصير القطعي الخارج عن الإرادة قد تقرّرا لأحد أبداً .