وفي آخر الآيات محلّ البحث يقول القرآن مضيفاً ومؤكّداً على هذه المسألة: ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلاّ من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) .
فحيث لا تستطيع الملائكة على عظمتها حتّى ولو بشكل جماعي أن تشفع لأحد إلاّ بإذن الله ورضاه ،فما عسى يُنتظر من هذه الأصنام التي لا قيمة لها ،وهي لا تعي شيئاً !؟.وحينما تتساقط النسور المحلّقة وتهوي بأجنحتها عاجزة فما تنفع البعوضة الضعيفة ؟أليس من المخجل أن تقولوا إنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى ،أو هؤلاء شفعاؤنا عند الله ؟!
والتعبير ب «كم » في الآية يفيد العموم ،أي ليس لأي ملك أن يشفع دون إذن الله ورضاه ،لأنّ هذه اللفظة تفيد العموم في لغة العرب ،كما أنّ لفظة «كثير » تفيد العموم أحياناً وقد جاء في الآية 70 من سورة الإسراء ما يدلّ على ذلك: ( وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا ) أي فضّلنا بني آدم على جميع من خلقنا .
كما نجد هذا الاستعمال في شأن الشياطين إذ نقرأ الآية 223 من سورة الشعراء قائلةً: ( وأكثرهم كاذبون ) مع أنّنا نعلم أنّ جميع الشياطين كاذبون{[4827]} .
أمّا الفرق بين «الإذن » و «الرضا » فهوأنّ الإذن يعبّر عنه في مقام يكشف الإنسان عن رضاه الباطني ،إلاّ أنّ الرضا ..أعمّ من ذلك ،وقد تستعمل كلمة «الرضا » لانسجام الطبع مع ما يفعل ،وحيث أنّ الإنسان قد يأذن بشيء ما دون أن يكون راضياً في قلبه فقد جاءت كلمة «يرضى » تأكيداً على الإذن ،وإن كان الإذن والرضا عند الله لا ينفصل بعضهما عن بعض ولا مجال ( للتقيّة ) عند الله !
/خ26