ويختم السورة سبحانه بهذه الآية الكريمة: ( تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام ) .
«تبارك » من أصل ( برك ) على وزن ( درك ) بمعنى صدر البعير ،وذلك لأنّ الجمال حينما تبرك تضع صدرها على الأرض أوّلا ،ومن هنا استعمل هذا المصطلح بمعنى الثبات والدوام والاستقامة ،لذا فإنّ كلمة ( مبارك ) تقال للموجودات الكثيرة الفائدة ،وأكرم من تطلق عليه هذه الكلمة هي الذات الإلهيّة المقدّسة باعتبارها مصدراً لجميع الخيرات والبركات .
واستعملت هذه المفردة هنا لأنّ جميع النعم الإلهيّةسواء كانت في الأرض والسماء في الدنيا والآخرة والكون والخلقفهي من فيض الوجود الإلهي المبارك ،لذا فإنّ هذا التعبير من أنسب التعابير المذكورة في الآية لهذا المعنى .
والمقصود من ( اسم ) هنا هو صفات الله تعالى خصوصاً الرحمانية التي هي منشأ البركات ،وبتعبير آخر فإنّ أفعال الله تعالى مصدرها من صفاته ،وإذا خلق عالم الوجود فذلك من إبداعه ونظام خلقه ،وإذا وضع كلّ شيء في ميزان فذلك ما أوجبته حكمته ،وإذا وضع قانون العدالة حاكماً على كلّ شيء فإنّ ( علمه وعدالته ) توجبان ذلك .وإذا عاقب المجرمين بأنواع العذاب الذي مرّ بنا في هذه السورة فإنّ ( انتقامه يقضي ذلك ،وإذا شمل المؤمنين الصالحين بأنواع الهبات والنعم العظيمة الماديّة والمعنويةفي هذا العالم وفي الآخرةفإنّ رحمته الواسعة أوجبت ذلك ،وبناءً على هذا فإنّ اسمه يشير إلى صفاته وصفاته هي نفس ذاته المقدّسة .
والتعبير ب ( ذي الجلال والإكرام ) إشارة إلى كلّ صفات جماله وجلاله .( ذي الجلال ) إشارة إلى الصفات السلبية ،و ( ذي الإكرام ) إشارة إلى الصفات الثبوتية .
والملفت للنظر هنا أنّ هذه السورة بدأت باسم الله ( الرحمن ) وانتهت باسم الله ذي الجلال والإكرام ) وكلاهما ينسجمان مع مجموعة مواضيع السورة .
/خ78