التّفسير
الإيمان والإنفاق أساسان للنجاة
بعد البيان الذي تقدّم حول دلائل عظمة الله في عالم الوجود وأوصاف جماله وجلاله ،تلك الصفات المحفّزة للحركة باتّجاه الله تعالى ،ننتقل الآن إلى جوّ هذه الآيات المفعم بالدعوة للإيمان والعمل ..
يقول سبحانه في البداية ( آمنوا بالله ورسوله ) إنّ هذه الدعوة دعوة عامّة لجميع البشر ،فهي تدعو المؤمنين إلى إيمان أكمل وأرسخ ،وتدعوأيضاًغير المؤمنين إلى التصديق والإيمان بما جاء به الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،وهذه الدعوة إلى الإيمان جاءت توأماً مع أدلّة التوحيد التي تناولتها الآيات التوحيدية السابقة .
ثمّ يدعو إلى أحد الالتزامات المهمّة للإيمان وهي: ( الإنفاق في سبيل الله ) حيث يقول تعالى: ( وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه ) .
إنّها دعوة إلى الإيثار والتضحية ،وذلك بالإنفاق والعطاء ممّا منّ الله به على الإنسان ،ولكن هذه الدعوة مصحوبة بملاحظة ،وهي أنّ المالك الحقيقي هو الله عز وجل ،وهذه الأموال والممتلكات قد وضعها الله عند الإنسان بعنوان أمانة لفترة محدودة ،كما وضعت كذلك باختيار الأقوام السابقة .
والحقيقة أنّها كذلك ،إذ مرّ بنا في الآيات السابقة أنّ المالك الحقيقي لكلّ العالم هو الله سبحانه ،وأنّ الإيمان بهذه الحقيقة والعمل بها تبيّن أنّنا أمناء على ما استخلفنا به من قبل الله تعالى ،ولابدّ للمؤمن من أن يأخذ بنظر الاعتبار أمر صاحب الأمانة .
الإيمان بهذه الحقيقة يمنح الإنسان روح السخاء والإيثار ويفتح قلبه ويديه على الإنفاق .
عبارة ( مستخلفين ) قد تكون إشارة إلى أنّ الإنسان خليفة الله تعالى على الأرض ،أو أنّه مستخلف عن الأقوام السابقة أو كلا المعنيين .
وتعبير ( ممّا ) تعبير عام ولا يشمل الأموال فحسب بل كلّ الممتلكات والهبات الإلهيّة .وهنا يعني أنّ للإنفاق مفهوماً واسعاً ولا ينحصر بالمال فقط ،بل يشملأيضاًالعلم والهداية والسمعة الاجتماعية ورؤوس الأموال المعنوية والمادية .
ثمّ يقول تعالى في الحثّ على الإنفاق: ( فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) .
إنّ وصف الأجر بأنّه «كبير » إشارة إلى عظمة الألطاف الإلهية والهبات الإلهية ،وأبديّتها وخلوصها ودوامها ليس في الآخرة فحسب ،بل في عالم الدنيا أيضاً حيث أنّ قسماً من الأجر سوف يكون من نصيب الإنسان في الدنيا .
/خ11