/م161
ثمّ في الآية الثالثة يضيف للتأكيد ،وإِبطالا لأي نوع من أنواع الشرك والوثنية قائلا: ( لا شريك له ) .
ثمّ يقول في ختام الآية: ( وبذلك أُمرتُ وأنا أوّل المسلمين ) .
كيف كان النّبيُّ أوّل مسلم ؟
في الآية الحاضرة وُصِف رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأنه أوّلُ المسلمين .
وقد وقع بين المفسّرين كلام حول هذه المسألة ،لأنّنا نعلم أنّه إِذا كان المقصود من «الإِسلام » هو المعنى الواسع لهذه الكلمة فإِنه يشمل جميع الأديان السماويّة ،ولهذا يُطلَق وصف المسلم على الأنبياء الآخرين أيضاً ،فاننا نقرأ حول نوح( عليه السلام ): ( وأُمِرتُ أن أكون من المسلمين ){[1331]} .
ونقرأ حول إِبراهيم الخليل( عليه السلام ) وابنه إِسماعيل أيضاً: ( ربّنا واجعلنا مسلِمين لك ){[1332]} .
وجاء في شأن يوسف( عليه السلام ): ( توفّني مسلماً ){[1333]} .
على أن «المسلم » يعني الذي يسلّم ويخضع أمام أمر الله ،وهذا المعنى يصدق على جميع الأنبياء الإِلهيين وأُممهم المؤمنة ،ومع ذلك فإِن كونَ رسولِ الإِسلام أوّلَ المسلمين ،إِمّا من جهة كيفية إِسلامه وأهميته ،لأنّ درجة إِسلامه وتسليمه أعلى وأفضل من الجميع ،وإِمّا لأنّه كان أوّل فرد من هذه الأُمّة التي قبلت بالإِسلام والقرآن .
وقد ورد في بعض الرّواياتأيضاًأنّه( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوّل من أجاب في الميثاق في عالم الذّر ،فإِسلامه متقدم على إِسلام الخلائق أجمعين{[1334]} .
وعلى أي حال فإنّ الآيات الحاضرة توضح روح الإِسلام ،وتعكس حقيقة التعاليم القرآنية وهي: الدعوة إِلى الصراط المستقيم ،والدعوة إِلى دين محطم الأصنام إِبراهيم الخالص ،والدعوة إِلى رفض أي نوع من أنواع الشّرك والثنوية ...هذا من جهة العقيدة والإِيمان .
وأمّا من جهة العمل: الدّعوة إِلى الإِخلاص ،وإِلى تصفية النيّة ،والإِتيان بكل شيء لله تعالى ،الحياة لأجله ،والموت في سبيله ،وطلب كل شيء منه ،ومحبّته ،والانقطاع إِليه ،وعن غيره ،والتولي له ،والتبرؤ من غيره .
فما أكبر الفرق بين ما جاء في الدعوة الإِسلامية الواضحة ،وبين أعمال بعض المتظاهرين بالإِسلام الذين لا يفهمون من الإِسلام سوى التظاهر بالدين ،ولا يفكرون في جميع الموارد إِلاّ في الظاهر ،ولا يعتنون بالباطن والحقيقة ،ولهذا فليس حياتهم ومماتهم واجتماعهم ومفاخرهم وحريتهم سوى قشور خاوية لا غير .