/م14
وجاء في الآية اللاحقة: ( فاتّقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ) لقد أمر الله تعالى أوّلا باجتناب الذنوب ،ثمّ بإطاعة الأوامر ،وتعدّ الطاعة في قضيّة الإنفاق مقدّمة لتلك الطاعة ،ثمّ يخبرهم أنّ خير ذلك يعود إليكم ولأنفسكم .
قال بعضهم: إن «خيراً » تعني ( المال ) وهو وسيلة لتحقيق بعض الطاعات ،وما جاء في آية الوصية يعتبر تعزيزاً لهذا المعنى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف ){[5308]} .
وذهب البعض إلى أنّ كلمة ( خيراً ) جاءت بمعناها الواسع ،ولم يعتبروها قيداً للإنفاق ،بل هي متعلّقة بالآية ككل ،فانّ ثمار الطاعةكما يقولونتعود لكم .وربّما يكون هذا التّفسير أقرب من غيره{[5309]} .
والأمر بالتقوى بقدر المستطاع لا يتنافى مع ما جاء في الآية ( 102 ) من سورة آل عمران حيث تقول: ( اتّقوا الله حقّ تقاته ) بل هي مكمّلة لتلك ومن المسلّم أنّ أداء حقّ التقوى لا يكون إلاّ بالقدر الذي يستطيعه الإنسان ،إذ يتعذّر التكليف بغير المقدور .
فلا مجال لاعتبار الآيةمورد البحثناسخة لتلك الآية في سورة آل عمران كما اعتقد البعض .
وللتأكيد على أهميّة الإنفاق ختمت الآية ب ( ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون ) .
«شحّ » بمعنى «البخل المرادف للحرص » ،ومن المعلوم أنّ هاتين الخصلتين السيّئتين من أكبر الموانع أمام فوز الإنسان ،وتغلق عليه سبيل الإنفاق وتصدّه عن الخير ،ومن يتخلّص من هاتين الخصلتين السيّئتين فلا شكّ أنّه سيضمن السعادة .
هذا وتوجد رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) تقول: «من أدّى الزكاة فقد وقى شحّ نفسه »{[5310]} .ويبدو أنّ ذلك أحد المصاديق الحيّة في مسألة الشحّ وليس كلّ ( الشحّ ) .
وفي حديث آخر عن الصادق ( عليه السلام )أيضاً: رأيت أبا عبد الله( عليه السلام ) يطوف من أوّل الليل إلى الصباح وهو يقول: «اللهمّ قني شحّ نفسي » فقلت: جعلت فداك ما سمعتك تدعو ،بغير هذا الدعاء قال: «وأي شيء أشدّ من شحّ النفس وأنّ الله يقول: ( ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون ) »{[5311]} .
/خ18