ثمّ يدعو نوح( عليه السلام ) ،لنفسه ولمن آمن به فيقول: ( ربّ اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلاّ تباراً ){[5487]} .
طلب المغفرة هذا من نوح( عليه السلام ) كأنّه يريد أن يقول إنني وإن دعوة قومي مئات السنين ولقيت ما لقيت من العذاب والإهانة ،ولكن يمكن أن يكون قد صدر منّي الترك الأولى ،فلذا أطلب العفو والمغفرة لا أُبرئ نفسي أمام اللّه تعالى .
هذا هو حال أولياء اللّه ،فإنّهم يجدون أنفسهم مقصرين مع كلّ ما يلاقونه من محن ومصاعب ،ولهذا تجدهم غير مبتلين بآفات الغرور والتكبر ،وليس كالذين يتداخلهم الغرور عند إتمامهم لعمل صغير ما يمنون به على اللّه تعالى ،ويطلب نوح( عليه السلام ) المغفرة لعدّة أشخاص وهم:
الأوّل: لنفسه ،لئلا يكون قد مرّ على بعض الأُمور المهمّة مروراً سريعاً ،ولم يعتن بها .
الثّاني: لوالديه ،وذلك تقديراً لما تحمّلاه من متاعب ومشقّة .
الثّالث: لمن آمن به ،وإن كانوا قلائل ،الذين اصطحبوه في سفينته التي كانت بمثابة الدار له( عليه السلام ) .
الرّابع: للمؤمنين والمؤمنات على مرّ العصور ،ومن هنا يوثق نوح( عليه السلام )العلاقة بينه وبين عموم المؤمنين في العالم ،ويؤكّد في النهاية على هلاك الظالمين ،وأنّهم يستحقون هذا العذاب لما ارتكبوه من ظلم .
/خ28