ولمّا كانت كلّ دعوة تحتاج إلى دليل صحتها ،يضيف القرآن القول: ( فأراه الآية الكبرى ){[5772]} .
ولكن ،ما الآية الكبرى ؟هل هي عصا موسى( عليه السلام ) التي تحولت إلى أفعى عظيمة ،أو إخراج يده بيضاء ،أم كليهما ؟( على اعتبار أنّ الألف واللام في «الآية الكبرى » إشارة إلى الجنس ) .وعلى أيّة حال ،فالمهم في المسألة إنّ موسى( عليه السلام )استند في بدء دعوته على معجزة «الآية الكبرى » .
لقد وردت في الآيات الأربعة المذكورة جملة ملاحظات ،هي:
1طغيان فرعون يمثل علّة الأمر الإلهي لذهاب موسى( عليه السلام ) إليه ...وتبيّن لنا هذه الملاحظة: إنّ من جملة الأهداف المهمّة في حركة الأنبياء هي هداية الطغاة أو مجاهدتهم .
2راح موسى( عليه السلام ) يدعو فرعون بلين ورفق وأسلوب جميل ،وبأسلوب مرغّب دعاه لأن يتطهر ( طهارة مطلقة من الشرك والكفر ،ومن الظلم والفساد ) وتنقل لنا الآية ( 44 ) من سورة طه هذا المعنى: ( فقولا له قولاً ليناً ) .
3وثمّة إشارة لطيفة وردت بخصوص رسالة الأنبياء( عليهم السلام ) ،فدعوتهم للحق تعتمد على محاولة تطهير الناس وإعادتهم إلى فطرتهم السليمة .
كما وأشار البيان القرآني إلى أنّ المخاطبة قد تمّت بكلمة «تزكّي » بدلاً من ( اُزكيك ) ،للدلالة على أنّ التزكية الحقّة إنّما هي تلك النابعة من الذات ،ولا تُبنى بأسس موضوعية خارجية .
4ذكرت الهداية بعد التزكية ،للدلالة على أنّ التزكية مقدّمةً وبمثابة الأرضية المهيئة للهداية .
5إنّ تعبير «إلى ربّك » في حقيقة تأكيد على أنّ مَن أهديك إليه هو مالكك ومربيك ،فَلِمَ الميل عنه ؟!
6«الخشية » نتيجة للهداية: ( وأهديك إلى ربّك فتخشى ) ،وبما أنّ الخشية لا تحصل إلاّ بمعرفة حقّة ،فتكون ثمرة شجرة الهداية والتوحيد هي الإحساس بالمسؤولية الملقاة على العواتق أمام جبار السماوات والأرض ،ولهذا تقول الآية ( 28 ) من سورة فاطر: ( إنّما يخشى اللّه ،من عباده العلماءُ ) .
7ابتدأ موسى( عليه السلام ) أسلوب دعوته بالهداية العاطفية ثمّ تدرج إلى الهداية العقلية والمنطقية حتى أرى فرعونَ الآية الكبرى .
وقد بيّن لنا البيان القرآني أفضل طرق الدعوة والإرشاد ،حيث ينبغي إحاطة مَن يُراد هدايته بالرعاية والعطف وتحسيسه بحسن نيّة الداعية أو المرشد ،ومن ثمّ تأتي مرحلة الدليل المنطقي والحوار العلمي .
/خ26