التّفسير
في هذه الآية ترغيب للمسلمين في الجهاد عن طريق آخر ،حيث تُحمِّلُ الآية المسلمين مسؤولية ذات عبء كبير ،وهي أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أن كلّ شيء سيكون تامّاً بادعائكم الإِيمان فحسب ،بل يتجلى صدق النيّة وصدق القول والإِيمان الواقعي في قتالكم الأعداء قتالا خالصاً من أي نوع من أنواع النفاق .
فتقول الآية أوّلا: ( أم حسبتم أن تُتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ){[1604]} .
و«الوليجة » مشتقة من «الولوج » ومعناه الدخول ،وتطلق الوليجة على من يُعتمد عليه في الأسرار ومعناها يُشبه معنى البطانة تقريباً .
وفي الحقيقة فإنّ الجملة المتقدمة تُنّبه المسلمين إِلى أنّ الأعمال لا تكمل بإظهار الإِيمان فحسب ،ولا تتجلى شخصية الأشخاص بذلك ،بل يعرف الناس باختبارهم عن طريقين:
الأوّل: الجهاد في سبيل الله لغرض محو آثار الشرك والوثنية .
الثاني: ترك أية علاقة أو أي تعاون مع المنافقين والأعداء .
فالأوّل لدفع العدو الخارجي ،والثّاني يحصّن المجتمع من خطر العدو الداخلي .
وجملة ( لمّا يعلم الله ) التي قد يلاحظ نظيرها في بعض آيات القرآن الأُخر ،تعني أن أمركم لم يتحقق بعدُ ،وبتعبير آخر: إنّ نفي العلم هنا معناه نفي المعلوم ،ويستعمل مثل هذا التعبير في مواطن التأكيد .وإلاّ فإنّ اللهطبقاً للأدلة العقلية وصحيح آيات القرآن الكثيرةكان عالماً بكل شيء ،وسيبقى عالماً بكل شيء .
وهذه الآية تشبه الآية الأُولى من سورة العنكبوت ،إذ تقول: ( ألم* أحسب النّاس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ) .
وكما ذكرنا آنفاً في تفسيرنا لسورة آل عمران أنّ اختبار الله لعباده ليس لكشف أمر مجهول عنده ،بل هو لتربيتهم ولأجل إنّما الاستعدادات وتجلّي الأسرار الداخلية في الناس .
وتُختتم الآية بما يدلّ على الإِخطار والتأكيد ( والله خبير بما تعملون ) .
فلا ينبغي أن يتصور أحدّ أنّ الله لا يعرف العلائق السرّية بين بعض الافراد وبين المنافقين ،بل يعرف كل شيء جيداً وهو خبير بالأعمال كلها .
ويستفاد من سياق الآية أن بين المسلمين يومئذ من كان حديث العهد بالإِسلام ولم يكن على استعداد للجهاد ،فيشمله هذا الكلام أمّا المجاهدون الصادقون فقد بيّنوا مواقفهم في سوح الجهاد مراراً .