التّفسير
لا يحقُّ للمشركين أنْ يَدخُلُوا المسجد الحَرَام:
قلنا: إن واحداً من الأُمور الأربعة التي بلّغها الإِمام علي( عليه السلام ) في موسم الحج في السنة التاسعة للهجرة ،هو أنّه لا يحق لأحد من المشركين دخول المسجد الحرام ،أو الطواف حول البيت ،فالآية محل البحث تشير إِلى هذا الموضوع وحكمته ،فتقول أوّلا: ( يا أيّها الذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) .
وهل الآية هذه دليل على نجاسة المشرك بالمفهوم الفقهي ،أو لا ؟!
هناك كلام بين الفقهاء والمفسّرين ،ومن أجل تحقيق معنى الآية يلزمنا التحقيق في كلمة «نجس » قبل كل شيء ...
«النَجَس » على زنة «الهَوس » كلمة ذات معنى مصدري ،وتأتي للتأكيد والمبالغة والوصف .
يقول الراغب في مفرداته: إنّ النجاسة والنجس يطلقان على كل قذارة ،وهي على نوعين: قذارة حسية ،وقذارة باطنية .
ويقول الطبرسي في مجمع البيان: كل ما ينفر منه الإِنسان يقال عنه: إنّه نجس .
فلذلك فإنّ كلمة نجس تستعمل في موارد كثيرةحتى في ما لا مفهوم للنجاسة الظاهرية فيهفمثلا يسمّي العرب الأمراض الصعبة المزمنة أو التي لا علاج لها ب «النجس » كما يطلق على الشخص الشّرير ،أو الساقط خُلقياً ،أو الشيخ الهرم ،أنّه نَجس .
ومن هنا يتّضح أنّه مع ملاحظة ما جاء في الآيةمحل البحثلا يمكن الحكم بأنّ إطلاق كلمة نجس على المشركين تعني أن أجسامهم قذرة كقذارة البول والدم والخمر وما إِلى ذلك أو لعقيدتهم «الوثنية » فهي قذارة باطنية ،ومن هنا لا يمكن الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الكفار ،بل ينبغي البحث عن أدلة أُخرى .
ثمّ تعقب الآية على ذوي النظرة السطحية الذين كانوا يزعمون بأن المشركين إذا انقطعوا عن المسجد الحرام ذهبت تجارتهم وغدوا فقراء معوزين فتقول ( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) .
كما فعل ذلك سبحانه على خير وجه ،فباتساع رقعة الإِسلام في عصر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخذ سيل الزائرين يتجه نحو بيت الله في مكّة ،وما زال هذا الأمر مستمراً حتى عصرنا الحاضر حيث أصبحت مكّة في أحسن الظروف فهي بين سلسلة جبال صخرية لا ماء فيها ولا زرع ،لكنّها مدينة عامرة ،وقد صارت بإذن الله مركزاً مهماً للبيع والشراء والتجارة .
ويضيف القرآن في نهاية الآية قائلا: ( إن الله عليم حكيم ) فكل ما يأمركم به الله فهو وفق حكمته ،وهو عليم بما سيؤول إليه أمره من نتائج مستقبلية ،وهو خبير بذلك .