قوله:{قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق} وهذا احتجاج آخر على حقية التوحيد وبطلان الشرك ،وعلى أن هذه الأصنام الجوامد الصم لا تملك أن تهدي أحدا ،ولا تدري عن أمر الهداية والرسالات والكتب المنزلة شيئا .وهذه من صفات الإله وأعظم دلائل الألوهية .لا جرم أن الأصنام والأوثان وغير ذلك من الأرباب المزعومة أعظم ما تكون بعدا عن هذه الصفات .
قوله: قل الله يهدي للحق} هداية الناس للحق وتوفيقهم إلى الصواب من شأن الله وحده وليس من شأن الأصنام والأنداد المزعومة ،بل الله سبحانه إنما يهدي الحائرين والغافلين إلى صراطه المستقيم .
قوله:{أفمن يهدي إلى الحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي} الاستفهام للتقرير وإلزامه الحجة .والفاء للترتيب الاستفهام على ما سبق .والمعنى: من أحلق بالاتباع ،من يهدي غيره للحق ،أم الذي{لا يهدي} ويهدي ،بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال .وأصله: يهتدي .وكسرت الهاء لالتقاء الساكنين{[1980]} أي الذي لا يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره .
وثمة قراءات أخرى للكلمة منها: يهدي ،بفتح الهاء وتشديد الدال ،ومنها: يهدي ،بسكون الهاء وتشديد الدال .
ومنها: يهدي ،بكسر الهاء والياء وتشديد الدال .وقرئت بغير ذلك .
قال الزمخشري في تأويل هذه الآية: إن الله وحده هو الذي يهدي للحق بما ركب في المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلة التي نصبها لهم ،وبما لطف بهم ووفقهم وأولهمهم وأخطر ببالهم وقفهم على الشرائع ،فهل من شركائكم الذين جعلتهم أندادا لله أحد من أشرافهم كالملائكة والمسيح وعزيز يهدي إلى الحق مثل هداية الله ؟ثم قال: أفمن يهدي إلى الحق هذه الهداية أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي ؛أي لا يهدي بنفسه ،أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله{[1981]} ؟.
قوله:{فما لكم كيف تحكمون}{فما لكم} ،استفهام للإنكار والتعجيب .و{كيف تحكمون} ،استفهام آخر ؛أي كيف تتخذون هؤلاء الصم العمي البكم شركاء تعبدونهم من دون الله وأنتم تعلمون أنهم لا يملكون هداية أنفسهم فضلا عن عدم هداية غيرهم ؛فكيف تحكمون بالباطل ؟!