الهادي إلى الحق
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ} أي اسأل يا محمد هؤلاء المشركين ،هل أحد من آلهتكم الذين تجعلونهم شركاء لله وتنسبون إليهم ما تنسبون من القدرات ،هل أحد منهم يهديكم إلى الحق ؟لأن من شأن الألوهية هداية مخلوقاتها إلى الحق .بكلام آخر ،فإن السؤال هنا ينطلق ليقرّر فكرةً جديدةً ،فيناقش مسألة الشرك من هذا الموقع ،في نموذج الشريك العاقل الذي يحس ويعي ما حوله ،أو في نموذج هذه الأصنام من الجمادات ،فإذا كان الشريك لديهم في موقع الإله ،فلا بدّ من الحديث عن أبسط خصائص الإله وطبيعة دوره ،فهل يمكن أن يتمثل في شخصٍ لا يملك الهداية لنفسه إلاَّ إذا جاءته من قبل الآخرين ،أو في شيء لا يقبل الهداية ذاتياً ؟إن ذلك فرضٌ لا معنى له ،لأن من أبسط خصائصه أن يعطي للكائنات خطّ هدايتها الذي يوصلها إلى النتائج السليمة على مستوى الحياة ،كما يعطيها خطّ الوجود الذي ينقلها من العدم إلى مرحلة الوجود ،فإن ذلك يعني الوعي والعقل والحكمة والقدرة والإرادة والغنى المطلق ،بينما يمثل العكس الجهل والعبث والعجز والفقر والحاجة إلى غيره .
وبذلك يطرح السؤال نفسه لتقرير الحقيقة العقيديّة ،فمن هو الأولى بالعبادة المتمثلة بالاتباع على أساس الطاعة والخضوع ؟فهل هو الذي يهدي الحياة إلى الحق في حركة الكون وفي حركة الإنسان ؟
{أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى} فلا يملك الاهتداء إلا إذا هداه غيره ،إن كان قابلاً للهداية في نفسه ،وذلك في من يملك الحياة والعقل والإِرادة ؟فهل يمكن أن يستوي الأمر بين هذا وهذا ؟{فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الجائر الذي لا يرتكز على أساسٍ ثابت بل ينطلق من خلال الأهواء والشهوات ،بعيداً عن أيّ منطق للعقل من قريب أو من بعيد .
وإذا كانت الآية في مسألة الإِله ،فيمكن للإنسان أن يأخذ منها فكرة القيادة بطريقة الاستيحاء ،وذلك بالتأكيد على أن هناك فرقاً في المواقع بين الموقع الذي لا يملك فيه الإنسان عنصر الوعي والهداية التي تؤهله للقيادة ،وبين الموقع الذي يملك فيه الإنسان كل عناصر الكفاءة الرسالية التي تجعل منه عنصر خيرٍ للحياة وللناس أجمعين ،فلا يمكن للقائد الذي يتبعه الناس أن يكون خالياً من كفاءة القيادة في ما يحتاجه الناس فيه ،لأن الاتِّباع يفرض وعي القيادة لمسؤوليتها في حياة الناس ،أو في حركة الساحة من حوله .