{تُؤْفَكُونَ}: الإفك: كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه ،وتؤفكون: تصرفون عن الحق .
بدء الخلق وإعادته
ثم تنطلق الآية لتوجه النظر إلى الشركاء بعد أن أثارت في أعماقهم التفكير في أمر الله{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} فيبدع الوجود من العدم ،ثم يعيده إلى العدم من جديد ،لينطلق الوجود في صورةٍ جديدة تحاكي الصورة السابقة بكل ملامحها ؟ويلتفتون إلى واقع هؤلاء الذين جعلوهم شركاء ،فيرون قدرتهم المحدودة الناطقة بالعجز ،ويعرفون استحالة نسبة ذلك إليهم ،لأنهم مخلوقون من العدم كغيرهم ،وسيعودون إليه من جديد ،ليبعثوا كما يبعث الآخرون ،فلا يمكن أن يكونوا هم الذين يعطون الأشياء وجودها في البداية والنهاية ،ويعرفون أن الله هو القادر على ذلك كله ،ولذلك بادرت الآية إلى الجواب عن السؤال ،دون أن تنتظر جوابهم ،لأنه من بديهيّات المعرفة ،{قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} وتعدلون عن الحقيقة الواضحة ،إلى الباطل ؟
وربما يخطر في البال سؤال: كيف يطرح القرآن فكرة إعادة الله للخلق كعقيدةٍ من عقائدهم التي يفرض استسلامهم لها ،مع أنهم لا يعتقدون بالمعاد ،كما تحدَّث القرآن غير مرَّة ؟وربما كان الجواب عن ذلك: أن هذا الأسلوب القرآني لا يريد استنطاقهم في الجواب من خلال السؤال بشكل فعلي ،بل يريد تقرير الحقيقة العقيدية بطريقة إيحائية ،للإيحاء بأن أي إنسان يوجه إليه هذا السؤال ،فلا بد من أن يجيب بهذا الجواب ،لأن الفطرة تفرض عليه ذلك ،باعتبار ارتباطها بالحقيقة وارتباط الحقيقة بها من أقرب طريق ،وهذا أسلوب درج عليه القرآن في أكثر من موضع .