التّفسير
واحدة من علامات الحق والباطل:
تعقب هذه الآيات أيضاً الاستدلالات المرتبطة بالمبدأ والمعاد ،وتأمر الآية الأُولى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ ( قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثمّ يعيده )ثمّ تضيف: ( قل الله يبدؤا الخلق ثمّ يعيده فأنى تؤفكون )
ولماذا تصرفون وجوهكم عن الحق وتتجهون نحو الضلال ؟
وهنا سؤلان:
الأوّل: إِنّ مشركي العرب غالباً لا يعتقدون بالمعاد ،خاصّة بالصورة التي يذكرها القرآن ،وإِذا كان هذا حالهم فكيف يطلب القرآن منهم الاعتراف به ؟
الثّانى: في الآية السابقة كان الكلام عن اعتراف المشركين وإِقرارهم ،إلاّ أنّ هذه الآية تأمر النّبي أن يقرّ هو بهذه الحقيقة ،فلماذا هذا الاختلاف في التعبير ؟
إِلاّ أنّ الانتباه إِلى مسألة يوضح جواب كلا السؤالين ،وهي: إِنّ المشركين بالرغم من عدم اعتقادهم بالمعاد الجسماني ،إلاّ أنّ ذلك القدر الذي آمنوا به من أن بداية الخلق كانت من الله كاف لتقبل المعاد والاعتقاد به ،لأنّ كل من عمل عملا في البداية قادر على إِعادته ،وبناءً على هذا فإِنّ الاعتقاد بالمبدأ إِذا ما اقترن بشيء من الدقة كاف لإِثبات المعاد .ومن هنا يتّضح لماذا أقر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم )بهذه الحقيقة بدلا من المشركين ،فإِنّه بالرغم من كون الإِيمان بالمعاد من لوازم الإِيمان بالمبدأ ،إلاّ أنّ هؤلاء لما لم يتوجهوا إِلى هذه الملازمة ،اختلف طراز التعبير وأقر النّبي مكانهم .
/خ36