الظن لا يغني من الحق شيئاً
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا} في ما يعتقدونه من عقائد ،أو يعبدونه من آلهةٍ ،فلم يرتكزوا على أساس العلم المنطلق من البداهة الفطرية ،أو من البرهان العلمي ،بل ارتكزوا على أساس الشك والحدس والتخمين .وهو ما توحيه كلمة الظن التي تواجه مسألة العلم ،لتشمل كل ما هو غير علمي ،مما لا يمكن الاعتماد عليه في العقيدة والعمل ،{إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} لأنه لا يكشف عن الحقيقة من مواقع الفطرة والوجدان ،أو من مواقع الحجة المنتهية إلى الوجدان .وهذا هو الخط الذي يريد الإسلام للإنسان أن يسير عليه في تحصيل القناعة ،أو تحقيق الانتماء ،فلا يجوز له أن يعتمد على ما لا يجوز الاستناد إليه مما لا يرتكز على حجة ولا ينطلق من قاعدةٍ يقينيّة ،بل لا بدّ له من مواجهة الفكرة المتبنَّاة من الإجابة على كل علامة استفهامٍ مطروحةٍ أمامه ،بما يطمئن إليه العقل ،وتستقر به النفس ،ويعذر فيه العقلاء ،فإذا لم يحصل ذلك وبقيت الاحتمالات المضادة مفتوحةً عنده ،كان الموقف الطبيعي لديه أن يأخذ جانب الحذر ليلاحق الآفاق المتنوعة التي تقف به عند خطّ اليقين .ومن خلال ذلك ،نفهم جيّداً كيف يريد الإسلام للإنسان أن يحترم الحقيقة في الحياة ،باحترام مسؤولية الفكر لديه ،والتأكيد على أدواته وأساليبه في الوصول إلى النتائج الإيجابيّة في العقيدة ،لأن ذلك هو الذي يعطي للناس جانب العذر عند الله{إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} .