قوله:{إن شانئك هو الأبتر} شانئك يعني مبغضك .يقال: شنأه يشنأه شنئا وشنانا أي أبغضه بغضا .والشانئ ،المبغض{[4866]} والأبتر: الذي لا عقب له ،وكل أمر انقطع من الخير أثره{[4867]} ،وقد كانت العرب تسمي من كان له بنون وبنات ثم مات البنون وبقي البنات: أبتر .وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية أن العاص بن وائل وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه فقال له جمع من صناديد قريش: مع من كنت واقفا ؟فقال: مع ذلك الأبتر .وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عيله وسلم وكان من خديجة ،فأنزل الله جل جلاله{إن شانئك هو الأبتر} أي إن مبغضك يا محمد هو المقطوع ذكره من خير الدنيا والآخرة .
وذكر عن ابن عباس قال: أهل الجاهلية إذا مات ابن الرجل قالوا: بتر فلان ،فلما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال: بتر محمد .فأنزل الله سبحانه{إن شانئك هو الأبتر} ،ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبتر .فهو سيد الأولين والآخرين ،وهو إمام المهتدين والمتقين .وهو الذي ملأت الآفاق نسائم ذكره العاطر ،واستحوذ اسمه وحبه على القلوب والألباب .إن رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم البشرية وهاديها إلى سواء السبيل ،وإمامها في الدنيا والآخرة ،لهو المكرم المفضال الذي حفل بذكره ملكوت السماء والأرض .
أما ذلك الشقي الأثيم المبغض- وكل من هو على شاكلته من المبغضين الحاقدين المتربصين برسول الله صلى الله عليه وسلم السوء- لهو المقطوع الأثر من الخير ،أو الذكر الحسن في الدنيا حيث اللعائن تتوالى عليه ،فهي تترا .ثم هو في الآخرة صائر إلى جهنم وبئس الورد المورود{[4868]} .