{ إن شانئك هو الأبتر} قال ابن جرير{[7561]}:أي إن مبغضك يا محمد وعدوك هو الأبتر ،يعني الأقل الأذل المنقطع دابره ،الذي لا عقب له .
روى ابن إسحاق عن يزيد بن رومان قال:"كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( دعوه ،فإنه رجل أبتر لا عقب له ،فإذا هلك انقطع ذكره ) ،فأنزل الله هذه السورة ".وعن عطاء قال:"نزلت في أبي لهب ،وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال:بتر محمد الليلة ،فأنزل الله في ذلك السورة ".وقال شمر بن عطية:نزلت في عقبة بن أبي معيط ،قال ابن كثير:والآية تعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم .
وقال الإمام:كان المستهزئون من قريش كالعاص بن وائل وعقبة بنأبي معيط وأبي لهب وأمثالهم إذا رأوا أبناء النبي صلى الله عليه وسلم يموتون يقولون:بتر محمد ،أي لم يبق له ذكر في أولاده من بعده ،ويعدون ذلك عيبا يلمزونه به ،وينفرون به الناس من أتباعه ،وكانوا إذا رأوا ضعف المسلمين وفقرهم وقلتهم يستخفون بهم ،ويهونون أمرهم ،ويعدون ذلك مغمزا في الدين ،ويأخذون القلة والضعف دليلا على أن الدين ليس بحق ،ولو كان حقا لنشأ مع الغنى والقوة ،شأن السفهاء مع الحق في كل زمان أو مكان غلب فيه الجهل ،وكان المنافقون إذا رأوا ما فيه المؤمنون من الشدة والبأساء يمنون أنفسهم بغلبة إخوانهم القدماء من الجاحدين ،ينظرون السوء بالمسلمين لقلة عددهم ،وخلو أيديهم من المال ،وكان الضعفاء من حديثي العهد بالإسلام من المؤمنين تمر بنفوسهم خواطر السوء عندما تشتد عليهم حلقات الضيق ،فأراد الله سبحانه أن يمحص من نفوس هؤلاء ،ويبكت الآخرين ،فأكد الخبر لنبيه أن ما يخيله النظر القصير قليلا هو الكثير البالغ الغاية في الكثرة ،ليؤكد له الوعد بأنه هو الفائز ،وأن متبعه هو الظافر ،وأن عدوه هو الخائب الأبتر الذي يمحى ذكره ،ويعفى أثره .
تنبيه:لما روي من سبب نزول هذه السورة مما رويناه ذهب إمام اللغة ابن جني إلى تأويل الكوثر بالذرية الكثيرة ،وهو معنى بديع فيه مناسب لسبب النزول .
قال ابن جني في ( شرح ديوان المتنبي ) في قوله يمدح طاهر بن الحسين العلوي:
وأبهر آيات التهامي أنه***أبوك وأجدى مالكم من مناقب
في جملة ما أملاه علي أبو الفضل العروضي:أن قريشا وأعداء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون:إن محمدا أبتر لا عقب له ،فإذا مات استرحنا منه ،فأنزل الله تعالى:{ إنا أعطيناك الكوثر} العدد الكثير ،ولست بالأبتر الذي قالوه ،ومراده بالعدد الكثير الذرية ،وهم أولاد فاطمة .قال العروضي:فإن قيل:الإنسان بالأبناء والآباء والأمهات ،قلنا:هذا خلاف حكم الله تعالى ،فإنه قد قال{[7562]}{ ومن ذريته داود وسليمان} إلى قوله{ ويحيى وعيسى} ،فجعل عيسى من أولاد إبراهيم ومن ذريته ،ولا خلاف في أنه لم يكن لعيسى أب انتهى .
وقد بسطنا أدلة صحة انتساب الأسباط إلى أجدادهم في كتاب ( أشرف الأسباط ) بما لا مزيد عليه فراجعه .