قوله تعالى:{ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ( 24 ) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ( 25 ) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} .
( مثلا ) منصوب ؛لأنه مفعول ( ضرب ) .( كلمة ) ،بدل منه .وقيل: عطف بيان له .والمثل في هذه الآية بيان بوصف الإيمان والمؤمنين وما ينبثق عنهما من حياة بشرية مثلى ،حافلة بالخير والرحمة وكريم الخلال والخصال .
لقد ضرب الله لذلك مثلا ( كلمة طيبة ) والكلمة الطيبة ،شهادة أن لا إله إلا الله .وهو قول ابن عباس .وقيل: الإيمان بالله جل ثناؤه ؛فإن الإيمان به ( كشجرة طيبة ) وهي النخلة الدائمة الإثمار ،ذات الأصول الراسخة الضاربة في أغوار الأرض ( وفرعها في السماء ) أي أعلى الشجرة شامخ مرتفع في الفضاء .والمراد: أن إيمان المؤمنين كالشجرة التي لا ينقطع ثمرها ؛فهي مثمرة خير الثمار في كل الأوقات فيستطيب ثمارها الآكلون .وإيمان المؤمنين إنما ينبثق عنه حميد الخصال وعظيم الصفات والطاعات لله رب العالمين .إنه لا ينبثق عن إيمان المؤمنين إلا الصالحات والحسنات ،تتقاطر على الأفراد والأسر والمجتمعات وسائر أوساط البشر ليشيع فيهم الأمن والخير والبركة والود والسعادة .لا جرم أن الإسلام دين الله القويم ،ومنهجه الحكيم المكين الراسخ في أعماق الكينونة البشرية والذي تتجلى ملامحه وخصائصه ومزاياه وأحكامه وتصوراته على الدنيا ؛لتفيض فيها إشعاعات غامرة شتى من ظواهر الأخوة الرصينة الصادقة ،والتعاون الحقيقي الوثيق والمودة الصاخبة الكريمة ،فتغيب بذلك عن وجه المجتمع علائم السوء والباطل من نفاق ورياء وأثرة وجشع وإيذاء وظلم وخسة ولؤم .ذلك هو شأن الإيمان في نفوس المؤمنين ،أو شأن الإسلام كله ؛فإنه إذا استقر في واقع البشر صنع منه المجتمع المتماسك المترابط المنسج .المجتمع الذي يستظل بظل الخير والأمان والمودة والتعاون ؛ليفيض بعد ذلك على الدنيا خير السمات والقيم والمزايا الكريمة .