التّفسير
الشّجرة الطيّبة والشّجرة الخبيثة !
هنا مشهد آخر في تجسيم الحقّ والباطل ،الكفر والإيمان ،الطيّب والخبيث ضمن مثال واحد جميل وعميق المعنى ...يُكمل البحوث السابقة في هذا الباب .
يقول تعالى أوّلا: ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيّبة كشجرة طيّبة ) ثمّ يشير إلى خصائص هذه الشجرة الطيّبة في جميع أبعادها ضمن عبارات قصيرة .
ولكن قبل أن نستعرض هذه الخصائص يجب أن نعرف ما المقصود من «الكلمة الطيّبة » ؟
قال بعض المفسّرين: إنّها كلمة التوحيد ( لا إله إلاّ الله ) .
وقال آخرون: إنّها تشير إلى الأوامر الإلهيّة .
وقال البعض الآخر: إنّه الإيمان الذي محتواه ومفهومه ( لا إله إلاّ الله ) .
وقال آخرون في تفسيرها: إنّها شخص المؤمن .
وأخيراً قال بعضهم: إنّها الطريقة والبرامج العمليّة .
ولكن بالنظر إلى سعة مفهوم ومحتوى الكلمة الطيّبة نستطيع أن نقول: إنّها تشمل جميع هذه الأقوال ،لأنّ «الكلمة » في معناها الواسع تشمل جميع الموجودات ،ولهذا السبب يقال للمخلوقات «كلمة الله » .
و «الطيّب » كلّ طاهر ونظيف ،فالنتيجة من هذا المثال أنّه يشمل كلّ سنّة ودستور وبرنامج وطريقة ،وكلّ عمل ،وكلّ إنسان ..والخلاصة: كلّ موجود طاهر ونظيف وذي بركة ،وجميعها كشجرة طيّبة فيها الخصائص التالية:
1كائن يمتلك الحركة والنمو ،وليس جامداً ولا خاملا ،بل ثابت وفاعل ومبدع للآخرين ولنفسه ( التعبير ب«الشجرة » بيان لهذه الحقيقة ) .
2هذه الشجرة طيّبة ،ولكن من أيّة جهة ؟بما أنّه لم يذكر لها قسم خاص بها ،فإنّها طيّبة من كلّ جهة ..منظرها ،ثمارها ،أزهارها ،ظلالها ،ونسيمها جميعها طيب وطاهر .
3لهذه الشجرة نظام دقيق ،لها جذور وأغصان ،وكلّ واحد له وظيفته الخاصّة ،فوجود الأصل والفرع فيها دليل على سيادة النظام الدقيق عليها .
4أصلها ثابت محكم بشكل لا يمكن أن يقلعها الطوفان ولا العواصف .وباستطاعتها أن تحفظ أغصانها العالية في الفضاء وتحت نور الشمس ،لأنّ الغصن كلّما كان عالياً يحتاج إلى جذور قوّية ( أصلها ثابت ) .
5إنّ أغصان هذه الشجرة الطيّبة ليست في محيط ضيّق ولا رديء ،بل مقرّها في عنان السّماء ،وهذه الأغصان والفروع تشقّ الهواء وتصعد فيه عالياً ( وفرعها في السّماء ) .
ومن الواضح أنّ الأغصان كلّما كانت عالية وسامقة تكون بعيدة عن التلوّث والغبار وتصبح ثمارها نظيفة ،وتستفيد أكثر من نور الشمس والهواء الطلق ،فتكون ثمارها طيّبة جدّاً{[1999]} .
/خ27