قوله تعالى:{ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} . هذا خطاب مستأنف من الله لهذه الأمة .ويحتمل أنه من كلام الله سبحانه خطابا لقوم موسى وتذكيرا لهم بالأمم الماضية من قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم ،وما حل بهم من التدمير عقب تكذيبهم وعصيانهم .وفي ذلك من التحذير لهم من عاقبة المكذبين ما لا يخفى .
قوله: ( لا يعلمهم إلا الله ) أي أن الأمم السابقة من الكثرة بحيث لا يحصى عددهم ولا يعلم مبلغهم إلا الله .قال ابن عباس: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون .
قوله: ( جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ) يعني جاءت هؤلاء الأمم رسلهم الذين أرسلوا إليهم ليدعوهم إلى دين الله الحق- بالحجج والدلالات الظاهرة على صدق دعوتهم لكنهم جحدوهم وصدوهم ( فردوا أيديهم في أفواههم ) وثمة خلاف في تأويل ذلك .فقد قيل: لما سمعوا كلام الله عجبوا منه ووضعوا أيديهم على أفواههم .وقيل: ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء يشيرون إليهم بالسكوت .أو وضعوها على أفواههم يسكنونهم ولا يذرونهم يتكلمون .
وقيل: وضعوا أيديهم في أفواههم ضحكا واستهزاء كمن يغلبه الضحك فيضع يده على فيه .وقيل: عضوا أصابعهم تغيظا عليهم من أجل دعوتهم التي جاءوهم بها .كقوله: ( عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) وهو تأويل قوي .
وقيل: ردوا عليهم قولهم وكذبوهم وأشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به وهو قولهم: ( إنا كفرنا بما أرسلتم به ) وهو قوي كذلك ؛أي كذبنا ما جئتم به وما تزعمون أنكم أرسلتم به ( وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) أي إننا في مِرْية مما جئتمونا به من توحيد الله وإفراده بالعبادة ( مريب ) أي موقع في الريبة والتهمة ؛فهذا الشك الذي يقلقنا ويخالط أذهاننا أوجب لنا التهمة والارتياب وعدم الثقة بكم{[2377]} .