قوله تعالى:{واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ( 16 ) فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ( 17 ) قالت إني أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقيا ( 18 ) قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ( 19 ) قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ( 20 ) قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ( 21 ) فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ( 22 ) فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ( 23 )} .
بعد أن بين قصة زكريا وولده يحيى عطف بيان قصة مريم البتول وولدها الزكي .والمخاطب رسول الله ( ص )؛إذ يأمره ربه أن يبين للناس هذه القصة ليقفوا على كمال قدرة الله الذي لا تستعصي عليه النواميس الكونية أو طبائع الأشياء والخليقة ولا يعز عليه أن يصنع ما يريد مما فيه خرق لقوانين الوجود ،فقال: واذكر لهم يا محمد في هذا القرآن قصة مريم حين تنحت واعتزلت أهلها ( مكانا شرقيا ) ( مكانا ) ،منصوب على أنه ظرف مكان ،وقيل: مفعول به لفعل مقدر .وتقديره: وقصدت مكانا قصيا .
و ( شرقيا ) ،صفة له{[2889]} ؛أي أنها تنحت عن أهلها في مكان شرقي بيت المقدس معتزلة عن الناس حتى تطهر من الحيض .وقيل: لتحبس نفسها للعبادة وهذا أظهر ؛فقد جُعلت مريم وقفا على سدانة بيت الله وخدمته ؛فهي تحرص على الانقطاع للتبتل وعبادة الله ،معتزلة الناس من أجل هذه الوجيبة الفضلى .