قوله تعالى:{وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً 16} .
أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يذكر في الكتاب وهو القرآن «مريم » حين انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً .وقوله «انتبذت » أي تنحَّت عنهم واعتزلتهم منفردة عنهم .وقوله{مَكَاناً شَرْقِياً 16} أي مما يلي شرقي بيت المقدس .وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة «إذ » «مريم » بدل اشتمال ،لأن الأحيان مشتملة على ما فيها اشتمال الظرف على مظروفه .قاله الزمخشري في الكشاف واعترضه عليه أبو البقاء وأبو حيان: والظاهر سقوط اعتراضهما ،وأن الصواب معه ،والله تعالى أعلم .ولم يذكر هنا شيئاً عن نسب «مريم » ولا عن قصة ولادتها .وبين في غير هذا الموضع أنها ابنة عمران ،وأن أمها نذرت ما في بطنها محرراً ،تعني لخدمة بيت المقدس ،تظن أنها ستلد ذكراً «فولدت مريم » .قال في بيان كونها ابنة عمران:{وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} الآية .وذكر قصة ولادتها في «آل عمران » في قوله:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 35 فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم 36 ِفَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ 37} .وقوله «مكاناً » منصوب لأنه ظرف .