التّفسير
ولادة عيسى ( عليه السلام ):
بعد ذكر قصّة يحيى( عليه السلام ) ،حولت الآيات مجرى الحديث إلى قصّة عيسى( عليه السلام )لوجود علاقة قوية وتقارب واضح جداً بين مجريات هاتين الحادثتين .
فإِنّ كانت ولادة يحيى من أب كبير طاعن في السن وأم عقيم عجيبة ،فإِن ولادة عيسى من أم دون أب أعجب !
وإِن كان الوصول إلى مقام النّبوة وبلوغ العقل الكاملفي مرحلة الطفولةباعثاً على الحيرة ومعجزاً ،فإِنّ التحدث في المهد عن الكتاب والنّبوة أبعث على التعجب والحيرة ،وأكثر إِعجازاً .
وعلى كل حال ،فإِنّ كلا الأمرين آيتان على قدرة الله الكبير المتعال ،إِحداهما أكبر من الأُخرى ،وقد صادف أن تكون كلا الآيتين مرتبطتان بشخصين تربطهما أواصر نسب قوية ،فكل منهما قريب للآخر من ناحية النسب ،حيث أن أم يحيى كانت أخت أم مريم ،وكانت كلاهما عقيمتين وتعيشان أمل الولد الصالح .
تقول الآية الأُولى: ( واذكر في الكتاب مريم إِذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً ) فقد كانت تبحث عن مكان خال من كل نوع من التشويش والضوضاء حتى لا يشغلها شيء عن مناجاتها ويصرفهاولو حيناًعن ذكر المحبوب ،ولذلك اختارت شرقي بيت المقدس ،ذلك المعبد الكبير ،لعله يكون مكاناً أكثر هدوءاً ،أو أنّه كان أنظف وأنسب من جهة أشعة الشمس ونورها .
كلمة «انتبذت » أخذت من مادة ( نبذ ) على قول الراغب ،وهي تعني إِلقاء وإِبعاد الأشياء التي لا تسترعي الانتباه ،وربّما كان هذا التعبير في الآية إِشارة إلى أنّ مريم قد اعتزلت بصورة متواضعة ومجهولة وخالية من كل ما يجلب الانتباه ،واختارت ذلك المكان من بيت الله للعبادة .