قوله تعالى:{ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( 30 ) حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ( 31 )} .
اسم الإشارة ( ذلك ) .في موضع رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ؛أي الأمر ذلك .وقيل: في محل جر ،صفة للبيت العتيق{[3105]} والأظهر الأول ،وهو الأمر والشأن ذلك قال الزمخشري: كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ثم أراد الخوض في معنى آخر ،قال: هذا وقد كان كذا .
وقال ابن جرير الطبري: إن هذا الذي أمر الله به من قضاء التفث والوفاء بالنذور والطواف بالبيت هو الفرض الواجب عليكم .
و ( حرمات الله ) ،امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه .والحرمات ،جمع حرمة وهي ما لا يحل هتكه .ويحتمل ان يكون ذلك عاما في جميع التكاليف ،ويحتمل أن يكون خاصا فيما يتعلق بالحج .وعن زيد بن أسلم قال: الحرمات خمس: الكعبة الحرام ،والمسجد الحرام ،والبلد الحرام ،والشهر الحرام ،والمُحرم حتى يحل .والمراد: أن يجتنب المحرم ما أمر الله باجتنابه في حال إحرامه ،تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها .وذلك خير له عند ربه فيما أعده له من حسن الجزاء يوم لقائه .
قوله: ( وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ) أحل الله لكم الأكل من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ،واستثنى ما يتلى عليكم في كتابه الحكيم من المحرمات وهي الواردة في سورة المائدة كالميتة والدم ولحم الخنزير ؛أي أن الله أحل لكم سائر الأنعام إلا ما استثناه في كتابه الكريم .
قوله: ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) ( الرجس ) ،بمعنى القذر أو النجس{[3106]} .
( من ) ،لتبيين الجنس{[3107]} أي فاجتنبوا القذر الذي هو الأوثان كما تُجتنب الأنجاس .وهذه غاية المبالغة في النهي عن تعظيم الأوثان والتنفير من عبادتها .
قوله: ( واجتنبوا قول الزور ) قرن الشرك بقول الزور تنبيها على عظيم جرم هذه المعصية .وفي التنديد بهذه الجريمة الكبرى أخرج في الصحيحين عن أبي بكرة أن رسول الله ( ص ) قال:"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟"قلنا: بلى يا رسول الله .قال"الإشراك بالله ،وعقوق الوالدين "وكان متكئا فجلس فقال:"ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ".فما زال يكرره حتى قلنا ليته سكت .
أما الزور ،فمعناه الكذب وشهادة الباطل .والازورار ،معناه العدل والانحراف عن الحق والاستقامة{[3108]} .