يقول تعالى ذكره بقوله (ذلِكَ) هذا الذي أمر به من قضاء التفث والوفاء بالنذور، والطواف بالبيت العتيق, هو الفرض الواجب عليكم يا أيها الناس في حجكم ( وَمَنْ يُعَظَّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) يقول:ومن يجتنب ما أمره الله باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها وحُرمَه أن يستحلها, فهو خير له عند ربه في الآخرة.
كما حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جريج, قال:قال مجاهد, في قوله:( ذلكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ ) قال:الحُرْمة:مكة والحجّ والعُمرة, وما نهى الله عنه من معاصيه كلها.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ ) قال:الحرمات:المَشْعَر الحرام, والبيت الحرام, والمسجد الحرام, والبلد الحرام، هؤلاء الحرمات.
وقوله:( وأُحِلَّتْ لَكُمْ الأنْعامُ ) يقول جل ثناؤه:وأحلّ الله لكم أيها الناس الأنعام أن تأكلوها إذا ذكَّيتموها, فلم يحرّم عليكم منها بحيرة, ولا سائبة, ولا وَصِيلة, ولا حاما, ولا ما جعلتموه منها لآلهتكم ( إلا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) يقول:إلا ما يتلى عليكم في كتاب الله, وذلك:الميتة, والدم, ولحم الخنـزير, وما أهلّ لغير الله به, والمنخنقة, والموقوذة, والمتردّية, والنطيحة, وما أكل السبع, وما ذُبح على النُّصب، فإن ذلك كله رجس.
كما:حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة:( إلا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) قال:إلا الميتة, وما لم يذكر اسم الله عليه.
حدثنا الحسن, قال:ثنا عبد الرزاق, قال:أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
وقوله:( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثانِ ) يقول:فاتقوا عبادة الأوثان, وطاعة الشيطان في عبادتها فإنها رجس.
وبنحو الذي قلنا فى تأويل ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله:( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثانِ ) يقول تعالى ذكره:فاجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جُرَيج في قوله:( الرّجْسَ مِنَ الأوْثانِ ) قال:عبادة الأوثان.
وقوله:( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) يقول تعالى ذكره:واتقوا قول الكذب والفرية على الله بقولكم في الآلهة:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىوقولكم للملائكة:هي بنات الله, ونحو ذلك من القول, فإن ذلك كذب وزور وشرك بالله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال:أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله:قول الزور قال:الكذب.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج عن ابن جُرَيج, عن مجاهد مثله.
حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس:وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِيعني:الافتراء على الله والتكذيب.
حدثنا محمد بن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا سفيان, عن عاصم, عن وائل بن ربيعة, عن عبد الله, قال:تعدل شهادة الزور بالشرك. وقرأ:( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).
حدثنا أبو كريب, قال:ثنا أبو بكر, عن عاصم, عن وائل بن ربيعة, قال:عُدِلت شهادة الزور الشرك. ثم قرأ هذه الآية:( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).
حدثني أبو السائب, قال:ثنا أبو أسامة, قال:ثنا سفيان العصفري, عن أبيه, عن خُرَيم بن فاتك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عُدِلَتْ شَهادَةُ الزُّورِ بالشِّرِك باللهِ"ثم قرأ:( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).
حدثنا أبو كريب, قال:ثنا مروان بن معاوية, عن سفيان العُصفريّ, عن فاتك بن فضالة, عن أيمن بن خريم, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فقال:"أيُّها النَّاسُ عُدِلَتْ شَهادَةُ الزُّورِ بالشِّركِ باللهِ"مرّتين. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).
ويجوز أن يكون مرادا به:اجتنبوا أن ترجسوا أنتم أيها الناس من الأوثان بعبادتكم إياها.
فإن قائل قائل:وهل من الأوثان ما ليس برجس حتى قيل:فاجتنبوا الرجس منها؟ قيل:كلها رجس. وليس المعنى ما ذهبت إليه في ذلك, وإنما معنى الكلام:فاجتنبوا الرجس الذي يكون من الأوثان أي عبادتها, فالذي أمر جل ثناؤه بقوله:( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ ) منها اتقاء عبادتها, وتلك العبادة هي الرجس, على ما قاله ابن عباس ومن ذكرنا قوله قبل.