وقوله:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) يقول:تعالى ذكره:ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم:من حلق شعر, وأخذ شارب, ورمي جمرة, وطواف بالبيت.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن أبي الشوارب, قال:ثني يزيد, قال:أخبرنا الأشعث بن سوار, عن نافع, عن ابن عمر, أنه قال:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال:ما هم عليه في الحجّ.
حدثنا حميد بن مسعدة, قال:ثنا يزيد, قال:ثني الأشعث, عن نافع, عن ابن عمر, قال:التفث:المناسك كلها.
قال:ثنا هشيم, قال:أخبرنا عبد الملك, عن عطاء, عن ابن عباس, أنه قال, في قوله:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال:التفث:حلق الرأس, وأخذ من الشاربين, ونتف الإبط, وحلق العانة, وقصّ الأظفار, والأخذ من العارضين, ورمي الجمار, والموقف بعرفة والمزدلفة.
حدثنا حميد, قال:ثنا بشر بن المفضل, قال:ثنا خالد, عن عكرمة, قال:التفث:الشعر والظفر.
حدثني يعقوب, قال:ثنا ابن علية, عن خالد, عن عكرمة, مثله.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:أخبرني أبو صخر, عن محمد بن كعب القرظي, أنه كان يقول في هذه الآية:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) رمي الجمار, وذبح الذبيحة, وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار, والطواف بالبيت وبالصفا والمروة.
حدثنا محمد بن المثنى, قال:ثنا محمد بن جعفر, قال:ثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد أنه قال في هذه الآية:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال:هو حلق الرأس، وذكر أشياء من الحجّ قال شعبة:لا أحفظها.
قال:ثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن الحكم, عن مجاهد, مثله.
حدثني محمد بن عمرو؛ قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال:حلق الرأس, وحلق العانة, وقصر الأظفار, وقصّ الشارب, ورمي الجمار, وقص اللحية.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله. إلا أنه لم يقل في حديثه:وقصّ اللحية.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال:ثنا المحاربي, قال:سمعت رجلا يسأل ابن جُرَيج, عن قوله:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال:الأخذ من اللحية, ومن الشارب, وتقليم الأظفار, ونتف الإبط, وحلق العانة, ورمي الجمار.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثنا هشيم, قال:أخبرنا منصور, عن الحسن, وأخبرنا جويبر, عن الضحاك أنهما قالا حلق الرأس.
حُدثت عن الحسين, قال:سمعت أبا معاذ يقول:أخبرنا عبيد, قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) يعني:حلق الرأس.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال:التفث:حلق الرأس, وتقليم الظفر.
حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) يقول:نسكهم.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال:التفث:حرمهم.
حدثني عليّ, قال:ثنا عبد الله, قال:ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال:يعني بالتفث:وضع إحرامهم من حلق الرأس, ولبس الثياب, وقصّ الأظفار ونحو ذلك.
حدثنا ابن حميد, قال:ثنا جرير, عن عطاء بن السائب, قال:التفث:حلق الشعر, وقصّ الأظفار والأخذ من الشارب, وحلق العانة, وأمر الحجّ كله.
وقوله:( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) يقول:وليوفوا الله بما نذروا من هَدي وبدنة وغير ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
حدثني علي, قال:ثنا عبد الله, قال:ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله:( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) نحر ما نذروا من البدن.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى- وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد:( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) نذر الحجّ والهَدي, وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحجّ.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد:( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) قال:نذر الحجّ والهدي, وما نذر الإنسان على نفسه من شيء يكون في الحجّ.
وقوله:(وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العَتيقِ) يقول:وليطوّفوا ببيت الله الحرام.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله:(العَتِيق) في هذا الموضع, فقال بعضهم:قيل ذلك لبيت الله الحرام, لأن الله أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه وهدمه.
*ذكر من قال ذلك:- حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا ابن ثور, عن معمر, عن الزهري, أن ابن الزبير, قال:إنما سمي البيت العتيق, لأن الله أعتقه من الجبابرة.
حدثنا الحسن, قال:أخبرنا عبد الرزاق, قال:أخبرنا معمر, عن الزهري, عن ابن الزبير, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا مؤمل, قال:ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال:إنما سمي العتيق, لأنه أعتق من الجبابرة.
قال:ثنا سفيان, قال:ثنا أبو هلال, عن قتادة:( وَلْيَطَّوفوا بالْبَيتِ العَتِيق ) قال:أُعْتِق من الجبابرة.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله:( البَيْتِ العَتِيق ) قال:أعتقه الله من الجبابرة, يعني الكعبة.
وقال آخرون:قيل له عتيق، لأنه لم يملكه أحد من الناس.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال:ثنا مؤمل, قال:ثنا سفيان, عن عبيد, عن مجاهد, قال:إنما سمي البيت العتيق لأنه ليس لأحد فيه شيء.
وقال آخرون:سمي بذلك لقِدمه.
*ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( البَيْتِ العَتِيق )قال:العتيق:القديم, لأنه قديم, كما يقال:السيف العتيق, لأنه أوّل بيت وُضع للناس بناه آدم, وهو أوّل من بناه, ثم بوّأ الله موضعه لإبراهيم بعد الغرق, فبناه إبراهيم وإسماعيل.
قال أبو جعفر:ولكل هذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في قوله:( البَيْتِ العَتِيق ) وجه صحيح, غير أن الذي قاله ابن زيد أغلب معانيه عليه في الظاهر. غير أن الذي رُوي عن ابن الزبير أولى بالصحة, إن كان ما:حدثني به محمد بن سهل البخاري, قال:ثنا عبد الله بن صالح, قال:أخبرني الليث, عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر, عن الزهريّ, عن محمد بن عروة, عن عبد الله بن الزبير, قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّمَا سُمّيَ البَيْتُ العَتِيقُ لأنَّ اللهُ أعْتَقَهُ مِنَ الجَبابِرَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ قَطٌّ صَحِيحا ".
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال الزهريّ:بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّمَا سُمّيَ البَيْتُ العَتِقُ لأنَّ الله أعْتَقَهُ"ثم ذكر مثله.
وعني بالطواف الذي أمر جلّ ثناؤه حاجٌ بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يُطاف به بعد التعريف, إما يوم النحر وإما بعده, لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك.
*ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك:حدثنا عمرو بن سعيد القرشي, قال:ثنا الأنصاري, عن أشعث, عن الحسن:( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) قال:طواف الزيارة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا خالد, قال:ثنا الأشعث, أن الحسن قال في قوله:( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) قال:الطواف الواجب.
حدثني عليّ, قال:ثنا عبد الله, قال:ثني معاوية عن عليّ, عن ابن عباس, قوله:( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) يعني:زيارة البيت.
حدثني يعقوب, قال:ثنا هشيم, عن حجاج وعبد الملك, عن عطاء, في قوله:( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) قال:طواف يوم النحر.
حدثني أبو عبد الرحمن البرقي, قال:ثنا عمرو بن أبي سلمة, قال:سألت زُهَيرا عن قول الله:( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) قال:طواف الوداع.
واختلف القرّاء في قراءة هذه الحروف, فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة "ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا "بتسكين اللام في كل ذلك طلب التخفيف, كما فعلوا في هو إذا كانت قبله واو, فقالوا "وَهْوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ"فسكَّنوا الهاء, وكذلك يفعلون في لام الأمر إذا كان قبلها حرف من حروف النسق كالواو والفاء وثم. وكذلك قرأت عامة قرّاء أهل البصرة, غير أن أبا عمرو بن العلاء كان يكسر اللام من قوله:( ثُمَّ لْيَقْضُوا) خاصة من أجل أن الوقوف على ثم دون ليقضوا حسن, وغير جائز الوقوف على الواو والفاء، وهذا الذي اعتلّ به أبو عمرو لقراءته علة حسنة من جهة القياس, غير أن أكثر القرّاء على تسكينها.
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي, أن التسكين في لام "ليقضوا "والكسر قراءتان مشهورتان، ولغتان سائرتان, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. غير أن الكسر فيها خاصة أقيس, لما ذكرنا لأبي عمرو من العلة, لأن من قرأ "وَهْوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ"فهو بتسكين الهاء مع الواو والفاء, ويحركها في قوله:ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَفذلك الواجب عليه أن يفعل في قوله:"ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ"فيحرّك اللام إلى الكسر مع "ثم "وإن سكَّنها في قوله:( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ). وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السُّلميّ والحسن البصري تحريكها مع "ثم "والواو, وهي لغة مشهورة, غير أن أكثر القرّاء مع الواو والفاء على تسكينها, وهي أشهر اللغتين في العرب وأفصحها, فالقراءة بها أعجب إليّ من كسرها.