/م26
29 - ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ .
ليقضوا: ليزيلوا .
تفثهم: أوساخهم ،وشعثهم ،والمراد هنا: قص الشعور وتقليم الأظافر .
النذور: ما ينذر من أعمال البر في الحج .
العتيق: القديم لأنه أول بيت وضع للناس .
تأتي هذه الآية في أعقاب مناسك الحج ،والمحرم بالحج لا يستطيع أن يقص شعره ولا يقلم ظفره ؛بل هو في منطقة سلام وأمان وعبادة ،فإذا أتم المناسك يوم عيد الأضحى ،وفيه أربعة أعمال:
رمي جمرة العقبة ،ذبح الهدي ،الحلق أو التقصير ،الطواف بالبيت العتيق – فإن الله يبيح له التحلل من الإحرام بأن يقص شعره ويقلم أظافره ،وينتف إبطه ،ويهتم بنظافة نفسه ،امتثالا لأمر الله .
جاء في تفسير ابن كثير عن ابن عباس:
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ .قال: هو وضع الإحرام من حلق الرأس ،ولبس الثياب وقص الأظافر ،ونحو ذلك .
وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ .
وليوفوا بما ينذرونه من أعمال البر في حجهم ،والوفاء بالنذر واجب مطلقا ،وليس مختصا بالحج ،ولكن الوفاء به في الحج أحق وآكد .
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ .
أي: طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة ،وهو واجب أو ركن من أركان الحج ،فللحج ركنان أساسيان:
1 – الوقوف بعرفة .
2 – طواف الإفاضة .
قال العلماء: الحج وقفة بعرفة ،وطواف بالبيت ؛وقيل المراد به: طواف الوداع .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: أن آخر المناسك الطواف بالبيت العتيق وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،فإنه لما رجع إلى منى يوم النحر ،بدأ برمي جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات ،ثم نحر هديه ،وحلق رأسه ،ثم أفاض فطاف البيت .
وفي الصحيحين: عن ابن عباس أنه قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ،إلا أنه خفف عن المرأة الحائض .
والبيت العتيق: أي: القديم لأنه أول بيت وضع للناس ،أو لأن الله أعتقه فلم يظهر عليه جبار قط ،ولم يرده أحد بسوء إلا هلك ،أو لأن الله أعفاه من البلى والدثور ،فلا يزال معمورا منذ إبراهيم – عليه السلام – ولن يزال .
تلك قصة بناء البيت الحرام ،وذلك أساسه الذي قام عليه .
بيت أمر الله خليله – عليه السلام – بإقامته على التوحيد ،وتطهيره من الشرك ،وأمره أن يؤذن في الناس بالحج إليه ،ليشهدوا منافع متعددة ؛في رؤية أماكن سعى فيها إبراهيم الخليل حين بنى البيت ،وحين أمر بذبح إسماعيل ،وحين ترك هاجر تسير مسرعة بين الصفا والمروة .
وهناك ذكريات عن ميلاد محمد خاتم النبيين ،ومشاركته في بناء البيت في الجاهلية ،ودعوته إلى الله ،ثم فتح مكة ،وتحطيم الأصنام من حول البيت الحرام ،وأداء مناسك الحج ،وفي الحج ذكر اسم الله تعالى – لا أسماء الآلهة المدعاة – عند ذبح بهيمة الأنعام .
والحجاج يأكلون من الهدي ويطعمون الفقراء والبؤساء ،فالبيت الحرام ،حرمات الله فيه مصونة ،وأولاها عقيدة التوحيد ،وفتح أبوابه للطائفين والقائمين والركع السجود ،إلى جانب حرمة الدماء ،وحرمة العهود والمواثيق ،وحرمة الهدنة والسلام .