قوله:{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فاطر ،بالجر ،بدل من الضمير في{عليه} وبالرفع ،على أنه خبر لمبتدأ محذوف وتقديره: هو فاطر السماوات الأرض{[4087]} أي خالقهما ومبدعهما .
قوله:{جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي خلق لكم من أنفسكم إناثا .والمراد بذلك حواء ،فقد خلقت من نفس آدم .وقيل: خلق لكم من أنفسكم نسلا بعد نسل{وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا} والمراد بالأزواج الثمانية ؛إذ جعل الله من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ،ذكورا وإناثا من كلا الصنفين .
قوله:{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي يخلقكم في ذلك الخلق ذكورا وإناثا نسلا بعد نسل وجيلا بعد جيل من الناس والأنعام .قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الكاف ،زائدة للتوكيد ؛أي ليس مثله شيء ؛فهو خالق الأزواج كلها ؛ولأنه الفرد الأحد الصمد الذي ليس له في الكون نظير .
قال القرطبي في هذا الصدد: والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعَليِّ صفاته لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يُشَبَّهُ به .
ونقل عن الواسطي قوله: ليس كذاته ذات ،ولا كاسمه اسم ،ولا كفعله فعل ،ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ .وجَلَّت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة .وهذا مذهب أهل الحق والسنة والجماعة رضي الله عنهم .
وقال الرازي في ذلك: احتج علماء التوحيد قديما وحديثا بهذه الآية في نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأعضاء والأجزاء ،وحاصلا في المكان والجهة .وقالوا: لو كان جسما لكان مثلا لسائر الأجسام فيلزم حصول الأمثال والأشباه له ،وذلك باطل بصريح قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} يصف الله نفسه بأنه سميع لكل ما ينطق به الخلق ،وأنه البصير فيرى ما يقع من أعمال وأحداث ولا يخفى عليه من ذلك شيء فيحاسب العباد على كل ما فعلوه من الإحسان والإساءة .