قوله:{ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} ذلكم أدب ثان خليق بالمؤمنين أن يتأدبوا به لدى خطاب بعضهم بعضا في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا يصخبون أمامه ولا يعلو صياحهم بل يتكلمون في أدب جم واستحياء بالغ واحترام له عظيم .وقد روي أن الآية نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر ( رضي الله عنهما ) فقد روى البخاري بإسناده عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيّران أن يهلكا: أبو بكر وعمر ( رضي الله عنهما ) رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم ،فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس ،وأشار الآخر برجل آخر .فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: ما أردت إلا خلافي .قال: ما أردت خلافك .فارتفعت أصواتهما في ذلك فنزلت الآية فيهما ،فما كان عمر ( رضي الله عنه ) يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه .
والمعنى: لا تتجهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغليظ الخطاب ولاتتصايحوا أمامه في صخب وتتنادوا بالأصوات العالية من غير حاجة{ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} الكاف في{كجهر} في موضع نصب صفة لمصدر محذوف .والتقدير: لا تجهروا له جهرا كجهر بعضكم لبعض{[4280]} أي لا تنادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ينادي بعضكم بعضا ،وذلك بقولكم: يا محمد ،يا محمد .ولكن قولوا في أدب وتوقير وتبجيل وتواضع: يا رسول الله ،يا نبي الله ،وأن لا تعلو أصواتكم في النداء فوق ما يحتاجه السامع للسماع{أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} أي لأن تبطل أعمالكم وقيل: لئلا تبطل أعمالكم فلا يكون لكم عليها أجر ولا جزاء ،وذلك برفعكم أصواتكم فوق صوت النبي ،وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض وأنتم لا تعلمون ولا تدرون .