قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} .
سبب نزول هذه الآية الكريمة ،أنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد تميم ،أشار عليه أبو بكر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم القعقاع بن معبد بن زرارة بن عدس ،وأشار عليه عمر أن يؤمر عليهم القعقاع بن معبد بن زرارة بن عدس ،وأشار عليه عمر أن يؤمر عليهم الأقرع بن حابس بن عقال .
فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي ،فقال عمر: ما أردت خلافك ،فارتفعت أصواتهما فأنزل الله:{لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} ذكره البخاري في صحيحه وغيره .
وهذه الآية الكريمة علَّم الله فيها المؤمنين أن يعظموا النبي صلى الله عليه وسلم ويحترموه ويوقروه ،فنهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته ،وعن أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض ،أي ينادونه باسمه: يا محمد ،يا أحمد ،كما ينادي بعضهم بعضاً .
وإنما أمروا أن يخاطبوه خطاباً يليق بمقامه ليس كخطاب بعضهم لبعض ،كأن يقولوا يا نبي الله أو يا رسول الله ونحو ذلك .
وقوله:{أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} أي لا تفعلوا ذلك لئلا تحبط أعمالكم ،أو ينهاكم عن ذلك كراهة أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون أي لا تعلمون بذلك .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من لزوم توقير النبي صلى الله عليه وسلم ،وتعظيمه واحترامه جاء مبيناً في مواضع أخر كقوله تعالى:{لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [ الفتح: 9] على القول بأن الضمير في تعزروه وتوقروه للنبي صلى الله عليه وسلم .وقوله تعالى{لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [ النور: 63] كما تقدم وقوله تعالى{فَالَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} [ الأعراف: 157] الآية .وقوله هنا:{وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ} [ الحجرات: 2] أي لا تنادوه باسمه: كيا محمد .
وقد دلت آيات من كتاب الله على أن الله تعالى لا يخاطبه في كتابه باسمه ،وإنما يخاطبه بما يدل على التعظيم والتوقير ،كقوله:{يَا أَيُّهَا النبي} [ الأنفال: 64 -65 -70] .{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [ المائدة: 41 -67] .{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [ المزمل: 1] .{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [ المدثر: 1] مع أنه ينادي غيره من الأنبياء بأسمائهم كقوله{وَقُلْنَا يَا ءَادَمُ} [ البقرة: 35] .وقوله:{وَنَادَيْنَاهُ أَن يا إِبْرَاهِيمُ} [ الصافات: 104] وقوله:{قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [ هود: 46] .قيل{يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا} [ هود: 38] .وقوله:{قَالَ يا مُوسَى إني اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} [ الأعراف: 144] وقوله:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} [ آل عمران: 55] وقوله:{يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً} [ ص: 29] .
أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر اسمه في القرآن في خطاب ،وإنما يذكر في غير ذلك كقوله:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [ آل عمران: 144] .وقوله:{وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} [ محمد صلى الله عليه وسلم: 2] .وقوله:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [ الفتح: 29] .