قوله:{ولو جعلنه ملكا لجعلنه رجلا} الضمير الأول يعود على الرسول عليه الصلاة والسلام .والضمير الثاني يعود على الملك .وفي تأويل الآية يقول ابن عباس: لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل ،لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور .أي لو بعثنا إليكم رسولا من الملائكة لصيرناه على هيئة رجل لتأنسوا به ولتتمكنوا من مخاطبته والأخذ عنه ،لأن كل جنس إنما يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه .ولو جعل الله الرسول إلى الناس ملكا لنفروا من مقاربته ولما استأنسوا به ولكان قد داخل نفوسهم الرعب من صورته ومن كلامه مما يحفزهم بالضرورة على الكف عن كلامه أو مساءلته .وبذلك تتعطل المصلحة فلا ينتفعون ولا يهتدون .
قوله:{وللبسنا عليهم ما يلبسون} لبسنا من اللبس وهو الخلط .التبس عليه الأمر أي اختلط واشتبه واللبسة بضم اللام بمعنى الشبهة .ليست الأمر على القوم ألبسه لبسا إذا شبهته عليهم وجعلته مشكلا{[1123]} فيكون تأويل الآية: لخلطنا عليهم بتمثيله رجلا ،ما يخلطون على أنفسهم حينئذ ،إذ يقولون له: إنما أنت بشر ولست ملكا .قال الرازي في ذلك: والمعنى أنا إذا جعلنا الملك في صورة البشر فهم يظنون كون ذلك الملك بشرا فيعود سؤالهم أنا لا نرضى برسالة هذا الشخص .وقال الزمخشري في الكشاف: ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان: هذا إنسان وليس بملك فإن قال لهم: دليل أني ملك أني جئت بالقرآن المعجز وهو ناطق بأني ملك لا بشر كذبوه كما كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقال الشوكاني في تأويل الآية: أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم لأنهم إذا رأوه في صورة إنسان قالوا: هذا إنسان وليس بملك .فإن استدل لهم بأنه ملك كذبوه .