قوله:{وهذا كتب أنزلناه مبرك مصدق الذي بين يديه} كتاب يراد به القرآن الكريم .وتنكيره هنا للتفخيم ،وكتاب خبر .والجملة{أنزلناه} صفته ومبارك ،من البركة ،أي الزيادة والنماء والسعادة تبارك الله أي تقدس{[1216]} والكتاب الحكيم مبارك مقدس بآياته وكلمتاه وحروفه .وهو من الله هبة مهداة للعالمين ليكون لهم خير منهاج في حياتهم فيحقق الله به عزهم وسعادتهم ونجاتهم .
إن هذا الكتاب الإلهي الميمون لا يستمسك به أو يعمل بأحكامه أو يسعى جادا لنشره وتبيينه للناس إلا كتب الله له بفضله السعادة والنجاة والخير والأمن والرضى في الدارين .نضرع إلى الله منزل الكتاب أن يجنبنا الفواحش ظاهرها وباطنها وأن يمن علينا بالسلامة والنجاة والعافية والستر والسعادة في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
قوله:{مصدق الذي بين يديه} أي أن هذا الكتاب وهو القرآن جاء مصدقا لما قبله من الكتب التي أنزلها الله على الأنبياء من قبل هذا النبي ،عليهم الصلاة والسلام أجمعين .
قوله:{ولتنذر أم القرى ومن حولها} اللام ،لام كي تتعلق بفعل مقدر .وتقديره: ولتنذر أم القرى أنزلناه{[1217]} .أم القرى أي مكة سميت بذلك ،لأنها أعظم القرى شأنا ،فغيرها من القرى تبع لها كما يتبع الفرع الأصل .أو لأنها قبلة أهل القرى ،إذ يحجون إليها ويجتمعون من حولها كما يجتمع الصغار حول أمهم الرؤوم .
ومن حولها ،أي من القرى إلى المشرق والمغرب .وقيل: من حولها يعني الأرض كلها .
والمراد أن الله أنزل القرآن لتحل في الدنيا البركة وليكون للناس نذيرا إذ ينذر به النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة والعالمين جميعا ليحذروا بأس الله وسخطه أن يحل بهم .
قوله:{والذين يؤمنون بالأخرة يؤمنون به} الذين يؤمنون بالآخرة ،في محل رفع مبتدأ .وخبره{يؤمنون به} والمعنى أن الذين يؤمنون بالآخرة إيمانا صحيحا وحقيقيا لا جرم أنهم يؤمنون بالقرآن الحكيم أو بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .والمراد هنا ،الإيمان الذي جاء به الوحي الأمين من السماء وتحدث به الكتب السماوية السليمة الخالية من التلاعب والتحريف .الإيمان الحقيقي السليم من العبث والافتراء والتخليط .إيمان العقيدة الصادقة ،البعيدة عن بعث العابثين وافتراء المفسدين المكذبين للإيمان بصدق القرآن وصدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
قوله:{وهم على صلاتهم يحافظون} في محل نصب على الحال .وهذه حال المؤمنين الصادقين المخلصين .فهم يحافظون على صلاتهم فلا يغفلون عنها ولا يفرطون فيها .وقد خص المحافظة على الصلاة ،لأنها عماد الدين وأعظم ما فيه من عبادات وأعمال وشعائر{[1218]} .