قوله تعالى:{قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون 123 لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين 124 قالوا إنا إلى ربنا منقلبون 125 وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين}{آمنتم} ،مقروءة بهمزتين .فالأولى همزة الاستفهام ومعناه الإنكار والاستبعاد .فهو يستنكر إيمان السحرة قبل أن يأذن لهم ( فرعون ) بذلك .
وقرئت أيضا على الإخبار وذلك على سبيل التوبيخ من فرعون للحسرة الذين آمنوا من غير إذن منه .وذلك هو منطق الطاغية الغاشم فرعون ؛إذ يستنكر على أحد أن يؤمن أو يهتدي ويمضي على صراط الله دون إذنه .فأيما إيمان بالله والمرسلين والتزام منهج الله المستقيم من غير إذن الشقي الأثيم فرعون جريمة تستوجب القتل والصلب والتقطيع من خلاف .بل إن ذلك منطق الرؤساء الجبابرة العتاة في كل زمان ؛إذ لا يرضون للفئة المؤمنة الواعية من عباد الله ،التي تحمل رسالة الله وتدعوا لدينه ومنهجه على علم وبصيرة .غنهم لا يضرون لهم إلا أن ينطلقوا من خلالهم وبعد الاستئذان منهم ،وإلا كانوا –في منطق الحاكم والساسة والظالمين المتجبرين- خارجين متمردين يستوجبون العقاب الشديد بالقتل أو السجن أو النفي أو التعذيب .
قوله:{إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} يقول فرعون: هذا الإيمان منكم والتصديق بنبوة موسى ودينه عن هو إلا خداع منكم واحتيال قد تواطأتم عليه فيما بينكم وبين موسى ليستولوا على مصر وتخرجوا منها أهلها القبط ثم تقيموا فيها أنتم وبنو إسرائيل .وذلك محض كذب وافتراء من فرعون .فلم يكن ثمة مواطأة بين موسى واحد ؛فإنه عليه الصلاة والسلام قد جاء من مدين إلى فرعون مباشرة ولم ير قبل ذلك أحدا من السحرة .
فليس التقول بالمواطأة أو التمالؤ إلا افتراء وزورا اختلقه فرعون ؛ليستبيح به فعلته الشنيعة في الذين آمنوا ،وذلك بالقتل والتنكيل لذلك تودعهم قائلا:{فسوف تعلمون} أي ستجدون ما تلقونه من عقابي لكم على صنيعكم هذا .